ما بين الخامس عشر والثامن عشر من أيلول/ سبتمبر الجاري، أجرى المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة استطلاعًا للرأي حول عدة قضايا تتعلق بالسلطة الفلسطينية وسياساتها، ومنها الموقف من بقاء عباس رئيسًا أو استقالته، وقد أظهر الاستطلاع رغبة ٨٠٪ من المستطلعة آراؤهم قناعتهم بوجوب استقالة محمود عباس من منصبة. ويعزى هذا الموقف لكبر سن الرئيس، ولفشل سلطته في إدارة الملف السياسي مع دولة الاحتلال، ولمقتل الناشط السياسي نزار بنات، حيث عزا المشاركون في الاستطلاع القتل لقرار سياسي عالي المستوى، أو لقرار أمني، أي إن القتل كان مقصودًا به التنكيل بالمغدور، وزرع الخوف فيمن خلفه من المنتقدين لسياسة السلطة.
بالطبع هناك أسباب أخرى لتغير المزاج الشعبي من عباس، والذي ذهب بصوته لمروان البرغوثي، أو لقيادة حماس. ومنها رفض المشاركين في الاستطلاع للاعتقالات التي قامت به السلطة ضد المتظاهرين، بعد مقتل بنات، وانتقاد الجمهور لموقف السلطة من الحرب الأخيرة ضد غزة. المهم أن نسبة المطالبين باستقالة عباس من منصبه هي نسبة كبيرة، وغير مسبوقة، وكان عباس قد قال في مقابلة تلفزيونية في ٢٠١١م أنه إذا خرج اثنان وهتفا برحيله فإنه سيرحل في اليوم التالي.
هذا القول كان للاستهلاك المحلي، ولم يصدر عن موقف ثابت ومقصود، فقد خرج في رام الله وغيرها مئات، بل ألوف، طالبوا برحيل عباس، ولكنه لم يرحل، وها هو استطلاع رأي لمركز أبحاث يقول: إن ٨٠٪ من المشاركين في الاستطلاع يطالبون عباس بالاستقالة، ولكن عباس لن يستقيل، وسيتهم المركز بالعمل ضده لأجندة حزبية.
استطلاعات الرأي في فلسطين وإن كانت علمية ومهنية وذات مغزى، إلا أنها في نظر السلطة موجهة، وليست موضوعية، ولا حقيقية، وبالتالي لا تبني عليها السلطة موقفًا، وتلقي بها في سلة المهملات. استطلاع الرأي أداة حضارية موضوعية ومهمة، ولكن في بلاد الغرب حيث الديمقراطية، وحيث الأحزاب القوية، والرأي العام الفاعل والنشط، وحيث يحترم الرؤساء مخرجات مراكز الاستطلاع.
نعم لا توجد لعباس شعبية تطالب ببقائه، واستطلاع الرأي لم يأتِ بجديد، وعباس نفسه يعلم أن غالبية الشعب ستكون سعيدة باستقالته، ولكنه لا يملك الجرأة لمواجهة نفسه، ومن ثمة فهو لن يستقيل، وسيزداد تمسكًا بمنصبه، وربما لن يتركه إلا بالوفاة. وهو في هذا ليس بدعًا بين رؤساء الدول العربية، فقد يصاب أحدهم بالزهايمر، أو بالخرف، أو بضعف القدرة على الوقوف على رجليه، وعلى ممارسة عمله، ومع ذلك لا يستقيل، ويبقى حتى يخرج من القصر إلى القبر.