تحت عنوان «ماذا ننتظر مع بداية السنة الجديدة؟ تحديات وفرص يواجهها أمن (إسرائيل) القومي»، أعدت مجموعة من الباحثين بإدارة اللواء في الاحتياط عاموس جلعاد -مدير معهد السياسة والاستراتيجيا في مركز هرتسليا المتعدد المجالات- ورقة على غاية من الأهمية. هذا المعهد هو مؤسسة خاصة تأسست في عام 1994 وصنفت عام 2014 المؤسسة الأكاديمية الأنجح في (إسرائيل) والواحد والعشرين في العالم.
حددت هذه الورقة التي نشرها الموقع الإلكتروني للمعهد قبل أيام طبيعة المرحلة الدولية والإقليمية الحالية والمطلوب إسرائيليًّا للتعامل في ضوئها مع تحديات المنطقة وخاصة العلاقة مع إيران أو الجوار الفلسطيني في الضفة الغربية أو قطاع غزة أو أراضي عام 1948.
رسمت الورقة ملامح النظام الشرق الأوسطي في السنة الماضية بالقول إن «المنافسة الاستراتيجية المتعاظمة بين (إسرائيل) وإيران، بالإضافة إلى وصول إدارة أمريكية جديدة، هما المصممان المركزيان اللذان بلورا هذا النظام، إلى جانب الساحة الفلسطينية القابلة للانفجار في قطاع غزة والضفة الغربية، وتقدُّم عمليات بناء القوة في حزب الله (...) وانتهاء الحرب الأهلية السورية وتمركُز قوات إيرانية وروسية في سوريا، والسباق الإقليمي على موارد الطاقة والنفوذ في الحوض الشرقي للبحر المتوسط، والأزمة الاقتصادية العميقة في لبنان، وجائحة الكورونا، والأزمة الاقتصادية الإقليمية المتعاظمة، وعودة تحدي الجهاد العالمي مع انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان».
ما يلفت الانتباه في هذه الورقة هو نظرة هؤلاء الباحثين إلى كل من الضفة وغزة والداخل الفلسطيني فقد أشارت إلى ما سمته «استمرار الواقع الاستراتيجي في الضفة الغربية في مقابل تغيُّر سلبي وتفاقُم التهديدات في ساحة غزة». وفي التفصيل تقول إنه «في الضفة الغربية استمرت الصيغة الأساسية التي سمحت لـ(إسرائيل) منذ أكثر من عقد باستقرار استراتيجي، أي المحافظة على الواقع المدني وتحسينه كقاعدة لهدوء أمني، الأمر الذي أدى إلى لجم تعبئة جماهيرية واسعة للنضال ضد (إسرائيل)».
أما في غزة فقد لفتت الورقة إلى أنه «لأول مرة تبادر حماس إلى الهجوم على خلفية احتكاكات في الضفة الغربية والقدس من دون مواجهة مسبقة في القطاع. الأمر الذي يطرح تساؤلات بشأن التسوية التي تحاول (إسرائيل) الدفع بها قدمًا في الأعوام الأخيرة في مواجهة الحركة»، وذلك في إشارة إلى الصواريخ التي أطلقتها «حماس» بعد الذي حدث قبل أشهر قليلة في حي الشيخ جراح والمسجد الأقصى.
وبناء على ذلك، رأت الورقة أن «هذا الواقع يفرض على (إسرائيل) الاستمرار في تعزيز سياستها الحالية إزاء الضفة الغربية، والتي أثبتت فعاليتها في مواجهة أزمات كبيرة» لكن مع ذلك اعتبرت أنها «لا تشكل بديلًا من تسوية دائمة في الضفة تعتمد على الفصل بين (إسرائيل) والفلسطينيين» معترفة في الآن نفسه بأن «هذا السيناريو بدأ يبتعد مع التمازج الديموغرافي والجغرافي في الضفة الغربية، والذي يقرِّب الطرفين من واقع الدولة الواحدة» وهو المآل الذي يكرهه الإسرائيليون وعادة ما يتجنبون ذكره.
أما بالنسبة للداخل الفلسطيني فقد أقرت الورقة بوجود «تأثير غير مسبوق لسيناريوهات المعركة الفلسطينية في ما يجري وسط الجمهور العربي في (إسرائيل)، إلى جانب تفاقُم الجريمة والعنف، واللذين يكشفان فقدان سيطرة الدولة على أجزاء كبيرة من هذا المجتمع (...) كما تعكس ظاهرة العنف مشكلات أساسية تدل على عدم اندماج الجيل العربي الشاب في (إسرائيل)» لتخلص انطلاقا مما سبق إلى اعتبار ذلك «تحديًا استراتيجيًّا من الدرجة الأولى يتطلب ردا متعدد الأبعاد».
أشارت الورقة كذلك إلى التطبيع مع دول عربية فوصفته بـ«القفزة التاريخية في العلاقات الاستراتيجية مع الإمارات والبحرين والمغرب» مع ذكر أن السعودية «غير مستعدة في هذه المرحلة لدفع العلاقات نحو المرحلة المقبلة» لكن ذلك لا يمنع (إسرائيل) من ضرورة «تعميق تعاونها الاستراتيجي مع دول الخليج وخصوصًا مع السعودية والإمارات، من أجل تأسيس نظام إقليمي يلجم النفوذ الإيراني» معتبرة في ذات الوقت «استقرار مصر والأردن مصلحة استراتيجية لـ(إسرائيل)».
وفي الوقت الذي اعتبرت فيه الورقة أنه «ليس من مصلحة حزب الله فتح مواجهة عسكرية مع (إسرائيل) في ضوء الوضع الصعب في لبنان والأثمان التي يمكن أن يدفعها في الساحة الداخلية» رأت أن على (إسرائيل) أن تشجع على تقديم حزمة مساعدات دولية وقروض إلى لبنان «تكون مشروطة بلجم النفوذ الإيراني في لبنان».
كما لم تنسَ الورقة الإشادة بدور موسكو في إتاحة حرية الحركة لـ(إسرائيل) في الدولة المجاورة حين اعتبرت «التنسيق الاستراتيجي والسياسي مع الروس في سوريا مصلحة حيوية، والمطلوب تعزيزه من أجل المحافظة على الحرية العملانية للجيش الإسرائيلي في هذه الساحة».
الورقة تطرقت إلى مجمل ما سبق بتفصيل أكبر مع تركيز خاص على الهاجس الإيراني، وكل ذلك بلغة دقيقة وجريئة، في حين أن الارتجال عندنا هو السائد، وإذا ما كانت لدينا أحيانًا أوراق بحثية لتقدير المواقف ومساعدة صاحب القرار السياسي، فعادة ما تكون للأسف لإرضاء أهوائه وليس لتشخيص الواقع ناهيك باستشراف المستقبل.
المقتطفات المذكورة من نشرة الصحافة العبرية الصادرة عن «مؤسسة الدراسات الفلسطينية» في بيروت.