طوى الاحتلال صفحة عملية الأسرى الستة الذين تمكنوا من تخليص أنفسهم من سجن جلبوع، بإعادة اعتقالهم، لكن القناعة السائدة في أروقة الاحتلال الأمنية والاستخبارية تتحدث أن العملية القادمة بدأ التخطيط لها أسرى آخرون، وفي سجون أخرى.
تزيد قناعة الاحتلال بهذه الفرضية في ضوء أن عملية جلبوع حصلت في أشد السجون حصانة، وأقواها احتياطات أمنية، ورغم وجود العديد من المؤشرات التي كانت تضع علامات تحذير أمام الأسرى ذاتهم الذين استطاعوا الخروج من قضبان السجن، رغم كل تلك الإجراءات الأمنية والاحتياطات الميدانية.
هذا يعني أن تكرار مثل هذه العملية سيكون أقل كلفة وأقوى نجاحًا في التنفيذ على الأرض، في ضوء أخذ أسرى آخرين مزيدًا من الاحتياطات الأمنية، لا سيما فيما يتعلق بخط سيرهم، إن قدر لهم الخروج إلى فجر الحرية، مستفيدين في ذلك من التغذية الراجعة لعملية أسرى سجن جلبوع.
صحيح أن المدة القريبة القادمة ستشهد المزيد من إجراءات التنكيل الإسرائيلية بعموم الحركة الوطنية الأسيرة، لا سيما القادة الذين صدرت بحقهم أحكام مؤبدة، ولا مصير للإفراج عنهم بسوى صفقة تبادل مشرفة، أو خروجهم بطريقة أسرى جلبوع ذاتها، وبالفعل قد شرعت مصلحة سجون الاحتلال في هذه الإجراءات التعسفية ضد الأسرى، في محاولة منها لردعهم، أو بالأصح استعادة الردع الإسرائيلي الذي تبدد مع شيوع نبأ خلاص الأسرى من السجن في عمليتهم البطولية.
لكن التجربة التاريخية تفيد أن اشتداد هذه الإجراءات لا بد أن يستغرق وقته، ثم تعود الأمور إلى حالها من التراخي، وهو ما تحذر منه أوساط أمنية إسرائيلية، خشية تكرار هذه العملية، في ضوء معرفتها بحجم الإصرار الذي يحرك الأسرى، ورغبتهم الجامحة بالخروج من قيد السجن، رغم أنف السجان ذاته.
في الوقت ذاته تدرك الأوساط الأمنية الإسرائيلية أن حجم الحفاوة التي وجدها الأسرى الفلسطينيون الذين خلصوا أنفسهم من سجن جلبوع قد يحفز قوى المقاومة خارج السجون على التخطيط لتكرار مثل هذه العمليات مستقبلًا، ولعلها خارج القضبان تكون أكثر أريحية في التفكير بتكرار هذه العملية، مستفيدة في ذلك من العديد من الإجراءات والوسائل التي لا يتسع المجال لذكرها في هذه السطور.
الخلاصة أن ما حصل في سجن جلبوع، والأيام الأربعة عشر التي عاشها الفلسطينيون من تحدٍّ للاحتلال، ومنظومته الأمنية، التي تمرغ وجهها في التراب، يعني من جديد طرح موضوع الأسرى على الطاولة، ورغم إغلاق صفحة ما حصل من الناحية الميدانية العملياتية، ستبقى انعكاساتها ماثلة أمام نواظر صناع القرار الإسرائيلي، خشية تكرار ما حصل من جهة، ومن جهة أخرى توعد المقاومة بأن يكون الأسرى الستة ضمن قائمة صفقة التبادل القادمة، وهو تحدٍّ جديد أمام الاحتلال.