حدث، في إبريل/ نيسان الماضي، أن الاتحاد المغربي للكاراتيه أعلن انطلاق التنسيق مع نظيره الإسرائيلي، لوضع الترتيبات والآليات اللازمة لتطوير هذه الرياضة في البلدين. وأياما، بعد حفل توقيع اتفاق العلاقات بين (إسرائيل) والإمارات، في سبتمبر/ أيلول العام الماضي، جرى توقيع اتفاقية إطار للتعاون الثقافي المشترك في مجال السينما والتلفزيون بين لجنة أبو ظبي للأفلام وصندوق السينما الإسرائيلي ومدرسة للإنتاج السينمائي في القدس. وفي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، وقّعت شركة طيران الخليج البحرينية اتفاقياتٍ مع المجموعة الإسرائيلية لصناعات الطيران، إحداها مع شركةٍ متخصصةٍ بالتموين على متن الطائرة، في مجال تقديم الطعام في قطاعاتٍ مختلفة.
هذه ثلاثٌ من كثير جدا من اتفاقياتٍ تم توقيعها بين (إسرائيل) وكل من المغرب والإمارات والبحرين، في قطاعاتٍ وشؤونٍ عديدة، في مقدمتها الأمن والاستخبارات، وتطاول التربية والتعليم والإعلام والاقتصاد والتجارة والاستثمارات والصحة والزراعة و...، صارت تحتاج بناء قاعدة بياناتٍ وافيةٍ بشأنها، يمكن أن يتصدّى لإنجازها مركز أبحاث في وسعه الإحاطة بهذه الاتفاقيات التي يذهلك تنوّعها وكثرتها، سيما بين الإمارات و(إسرائيل). وثمّة منها ما هو بين حكومتي الإمارات والبحرين من جهة مع مجالس المستوطنات. وقد قال وزير بحريني إن بلاده ستتعامل مع سلع المستوطنات على أنها مصنّعةٌ في (إسرائيل) من دون تمييزها، وهو الأمر الذي يتحقّق مع أبوظبي في عدة اتفاقيات موقّعة، من قبيل استيراد النبيذ من مصنع في مستوطنة رحيليم (جنوبي نابلس). وقد عقدت شركة فام الإماراتية أربع اتفاقيات مع شركات استيطانية مُقامة على أراضٍ فلسطينية مصادَرة. (الاتحاد الأوروبي يحرّم هذا الأمر على دوله الأعضاء).
مناسبة الإتيان شديد الاقتضاب (وليس ممكنا أن يكون غير ذلك)، بشأن العلاقات والصلات والاتفاقيات الوفيرة بين دولة الاحتلال والدول العربية الثلاث، أن الأطراف الأربعة احتفلت، أخيرا، باكتمال عام على توقيع اتفاقيات العلاقات الدبلوماسية الكاملة (المعلنة)، بمشاركة وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الذي حاور نظراءه الأربع عبر الإنترنت. وكان مبعثا للتساؤل استبعاد السودان من هذه "الاحتفالية"، سيما وأن مشاوير وزراء الأمن والاستخبارات ومسؤوليهما في الدولة العبرية إلى الخرطوم لا تتوقف، وأن السودان بات منكشفا، على الصعيدين، العسكري والأمني، تماما، لدولة الاحتلال بموجب اتفاقياتٍ تم توقيعها. ولم يجد الوزير الأميركي، في المناسبة، غير "تشجيع" الدول العربية التي لم تلتحق بقطار علاقات التعاون والشراكة مع (إسرائيل) على أن تفعل هذا، ذلك أنه "في مصلحة دول المنطقة والعالم"، كما قال، وسيما أن "نادي اتفاقيات أبراهام مفتوحٌ لأعضاء جدد"، على ما قال الوزير الإسرائيلي، يائير لبيد.
ولا تزيّد في نعت الذي صار بين الدول العربية المذكورة، الإمارات خصوصا، و(إسرائيل)، بأنه تحالفٌ، وليس محض تطبيع، فقضايا الأمن والاستخبارات والشؤون العسكرية في صدارة مشاغل دولة الاحتلال في العلاقات التي قامت مع هذه الدول. بل في الوُسع أيضا أن يرى واحدُنا، بتدقيق أكاديمي أو من دونه، أن علاقات بعض الدول الثلاث مع (إسرائيل) تفوق كثيرا ما هي عليه علاقاتها مع أي دولة عربية، بل من المدهش أن يبلغ التعاون (المفردة غير دقيقة تماما) الثنائي مدىً ليس متخيلا، عندما يتعلق مثلا بالتعليم الجامعي وشؤون التربية ومناهج التدريس والسينما، وعندما يُفتتح معبدان يهوديان في دبي وأبوظبي، وعندما يحضر إماراتيون اجتماع لجنة داخلية في الكنيست، وعندما يعطي الوزير الإسرائيلي لبيد نفسه حقّ التعرّض للجزائر في الرباط، وعندما تُرى صور الصداقة الخاصة والقوية بين مسؤول بحريني ومسؤولين أمنيين إسرائيليين، وعندما يُحزنك تشجيع شبان إماراتيين وبحرينيين على التغزل بـ(إسرائيل) وديمقراطيتها، وعلى التغني بالتعايش والتسامح من دون أي تفحص في الواقع الماثل أمام العيون، بصرف الأنظار عن فظائع إسرائيلية لا تتوقف، ومن دون اكتراثٍ بالمخاطر الراهنة والبعيدة للاختراقات الإسرائيلية المتسارعة في مجتمعاتٍ عربية في الخليج وغيره.
هذا بعض حصاد عام تسارَعت فيه أوجه التحالف والتطبيع والعلاقات المزدهرة بين (إسرائيل) والدول العربية أعلاه. والسؤال المُشرَع هنا من دون أن يلقى إجابة شافية: لماذا إلى هذا المدى؟ ألم يكن ممكنا أن تستجدّ هذه العلاقات بحميمية أقل؟