زقاقٌ بممرات وبيوت ضيقة، حجارةٌ أتى عليها الزمن وتآكلت وما زالت على حالها، تنخرها الرطوبة والشقوق، وأصبحت زوايا بعضها بيوتا تسكنها العناكب وحفرًا تملؤها القوارض، أحبال وتمديدات كهربائية متشابكة بعشوائية تتدلى للأسفل، خزانات مياه وضعها اللاجئون بجانب بيوتهم، أرضيات مهترئة ومناهل الصرف الصحي تطفح.. هكذا يعيش اللاجئون الفلسطينيون في مخيم "شاتيلا"، حياة في "القبور" يهربون من بيوتهم التي تنقطع فيها الكهرباء ساعات طويلة، للطرقات الضيقة بحثًا عن نسمة هواءٍ تبرد عليهم حرارة الأجواء.
ولم تكن الأزمة الحالية التي تعيشها لبنان، ونتج عنها انقطاع التيار الكهربائي وأزمة مياه، وشح في مواد أساسية رافقه غلاء الأسعار بأضعاف مضاعفة، إلا استكمالا لأزمة يعيشها اللاجئون الفلسطينيون من تاريخ اللجوء الفلسطيني عام 1948.
شكل الأزمة
فؤاد عابد؛ أحد سكان مخيم شاتيلا يعطي لصحيفة "فلسطين" نظرةً أكثر قربًا لمعاناة المخيم من الداخل قائلا: "طبعًا نحن في المخيم، لا يوجد لدينا كهرباء الدولة أو تأتينا ساعة فقط، أما ثمن أجرة الكهرباء من خلال المولدات فهي باهظة الثمن؛ وهي تحسب بالدولار، علما أن 100 دولار تساوي مليون و900 ألف ليرة، كما أن دعم اللبناني الفقير يستثنى منه الفلسطيني اللاجئ، وكأننا نحمل أعباءً مضاعفة عن التي يحملها اللبناني".
الجانب المحزن في الأزمة اللبنانية، يربطها فؤاد بموضوع "التمييز"، حيث ذهب مع عائلته لمركز تجاري يبيع أرزًا مدعوما من الحكومة اللبنانية يباع بنصف السعر، "لكنهم رفضوا بيعنا لأننا لاجئون، كما أنني ذهبت لتعبئة وقود بمنطقة أخرى وتفاجأت أن أصحاب المحطة رفضوا لأني لست من المنطقة، فهذه التقسيمات حسب السكن والطائفة نعانيها أيضًا، إذ لا يباع لك لأنك لست من ابن المنطقة أو أنك لست من هذه الطائفة".
ويضيف عن الحالة المأساوية التي يعيشها اللاجئون: "الوقود ارتفع سعره خمسة أضعاف، والخبز الذي كان يصل متاجر بيع المواد الغذائية أصبح يتطلب الذهاب للمخبز نفسه والاصطفاف في طابور طويل للحصول عليه، والآن كل المواد الغذائية فقدت، فمثلا تطلب خمسة كيلو أرز أو سكرًا فيعطونك كيلوغرامًا واحدًا فقط، وعلب المحارم لا تجدها في الأسواق".
وعابد، هو رب أسرة لأربعة أطفال يعيش المعاناة كبقية أفراد المخيم الذي تبدو فيه الأزمة من الداخل أعمق: "أعمل بمؤسسة اجتماعية، وأذهب باكرا لتعبئة جالون مياه سعة 40 لترًا، طبعًا لا يسمح لك بتعبئة أكثر من جالون واحد، وعندما أعود أقوم بتعبئة جالون ثانٍ، وفي المخيم البيوت متلاصقة لا تستطيع فتح النوافذ، وإن أردت فتحها تخشى من عبور القوارض إليك أو خوفا من كشف الجيران (...) ربما تحملنا الأعباء أكثر من اللبنانيين".
والمخيم الذي لا تزيد مساحته على كيلو متر بيوته متلاصقة ويعيش فيه نحو 25 ألف لاجئ، وهذا ما جعل الحياة فيه صعبة، فاقمتها الأزمة الحالية وأزمة فيروس كورونا. ويدفع اللاجئون ثمن المياه والكهرباء، ويعانون بسبب السوق السوداء التي تتضاعف فيها أسعار المنتجات، وكذلك الأدوية التي لا يجدونها حتى في الصيدليات.
ويشير عابد إلى أن علبة "البنادول" التي كانوا يشترونها بسعر 7500 ليرة أصبحت تساوي 80 ألف ليرة.
ينتقي موقفًا مما حدث معه: "اصطففت على طابور في إحدى المحطات لتعبئة الوقود لدراجتي النارية، وعندما وصل دوري كان الوقود قد نفد، وهنا ذهبت للسوق السوداء التي تنشط في الأزمة، فطلب مني 500 ألف ليرة لتعبئة الخزان علما أن سعره بالمحطة يبلغ 130 ألفًا".
لكن هناك صورة إيجابية لم يغفل عنها فؤاد، تعكس تلاحم اللاجئين في ظل الأزمة: "هناك أيادي خير خاصة للاجئين المغتربين في أوروبا، وقفوا معنا وقدموا مساعدات كانت بلسما للجراح، في وقت كان مطلوب من وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" حل مشكلة المياه، لكنها لم تفعل، بل أوقفت بعض سلال المواد الغذائية التي كانت توزعها على المرضى".
وفي مخيم "برج البراجنة" لا تقل المعاناة وطأة عن "شاتيلا"، أحمد الحاج علي، كاتب وباحث فلسطيني، يقول عن ذلك: "الخدمات الأساسية في المخيم كالكهرباء مقطوعة بالكامل، والعائلات لا تدفع ثمن الكهرباء، البيوت متلاصقة، يخرج الأهالي ليلا ليناموا بأطفالهم في الطريق من شدة الحر، وهذا ولد ضغطا نفسيًا ومشكلات اجتماعية كبيرة، فتصور أن المشفى نفسه لا يوجد به كهرباء!".
الحاج علي يصف الأزمة لصحيفة "فلسطين" أنها "غير مسبوقة، وأصابت كل لبنان، لكن لأن الفلسطينيين الأكثر ضعفا وحرمانا ويتعرضون لحصار دائم، فالأزمة أكثر تأثيرًا وانعكاسًا عليهم في العديد من المجالات، لأن الفلسطيني ليس له حماية قانونية وحقوقية، ولا ينتمي لنقابات العمال وأكثر عرضة للفصل التعسفي مما رفع البطالة إلى 50-60%".
حقوق غائبة
مدير الهيئة 302 للدفاع عن حقوق اللاجئين د. علي هويدي يقول: إن "معاناة اللاجئين تراكمية، بمعنى آخر؛ إن اللاجئ الفلسطيني عندما لا يحصل على حقوقه الاجتماعية والاقتصادية منذ عقود ينعكس ما يحدث في لبنان الآن عليه سلبيًّا".
ويعرب عن أسفه لتبني الدولة اللبنانية هذا التوجه، إذ تعتقد أن اللاجئ يمكن أن ينسى حقه بالعودة إن حصل على هذه الحقوق، "وهذا مناف للواقع، بدليل ما يُقدَّم للاجئين في الدول المضيفة الأخرى، فالبعض يقدم الحقوق الاجتماعية دون السياسية، والبعض يساوي ما بين اللاجئ والمواطن وهذا لا يؤثر في اللاجئ".
ويذهب هويدي للإشارة في حديثه لصحيفة "فلسطين" إلى أن تراكم الأزمات التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني جعل انعكاسات الأزمة اللبنانية عليه أكبر، "نتحدث عن نسبة فقر وصلت إلى 80% في ظل عدم تقديم الأونروا كل ما يحتاج إليه اللاجئ من خدمات التعليم والصحة والبنى التحتية، وعلي فقد طحنت الأزمة اللاجئين في المخيمات".
ويلفت أن الدولة اللبنانية تتحدث عن البطاقة التموينية التي ستصرف للفقراء اللبنانيين وليس للاجئين، "وللأسف الأونروا لم تطلق نداء استغاثة من أجل المخيمات بذلك لكنها للأسف لم تطلق نداء استغاثة، رغم أنها بادرت بدفع 40 دولارًا لكل طفل من عمر الولادة حتى 18 عامًا".
ومضى إلى القول: "هناك شريحة أخرى من فاقدي الأوراق الثبوتية وعددهم 5 آلاف لاجئ، وغير المسجلين وعددهم 35 ألف لاجئ، وهؤلاء ليس لهم أي نصير ومعيل".