تمثل عمليات الوعي في المواجهة المفتوحة بين المقاومة الفلسطينية والاحتلال الإسرائيلي بعدًا أساسيًا في محاولات تحقيق الانتصار والحد من تداعيات الخسائر من الناحية المعنوية، على اعتبار أن الحرب الحديثة لم تعد مقتصرة على القوة العسكريّة فقط، وإنما تشتمل على مجموعة من الأسلحة الأخرى؛ كسلاح المعلومات، الذي يعد أحد أهم مكونات الحرب، نظرًا لحجم تأثيره غير المحدود في صوغ وعي الجمهور وتوجهاته إزاء القضايا موضع الاهتمام، وبالتالي امتلاك القدرة على توجيه الجمهور بما يؤثر على قرار القيادة ويخدم الأهداف العسكرية والسياسية.
تنشط الدول والجماعات في ساحة التأثير على وعي الجمهور الافتراضية والتقليدية بكثافة، إذ لا تخلو دولة أو منظومة من فرق الدعاية وطواقم العمليات المعلوماتية، إلى درجة وصلت فيها قيادة الجيوش إلى الاقتناع بأن التخطيط للحرب لا يصل حد النضوج، ما لم يشتمل على خطة الدعاية والتأثير. وبناءً على ذلك، فإن النجاح في المواجهة العسكرية -مهما كان شكلها- بحاجة إلى توازي المجهود العسكري مع نظيره المعنوي في عملية تكاملية مستمرة، لديها القدرة على التأثير على الجمهور واستمالته.
ووفق ذلك، تتطلب المواجهة مع الاحتلال تأطيرًا فكريًا ممنهجًا، يتقاطع مع المجهود الميداني المبذول في ساحات الاشتباك، وينتج قاعدةً معرفية نضالية في وعي الجمهور الفلسطيني، قادرة على إسناد خطط المقاومة وتوجهاتها وإفشال عدوان الاحتلال المادي والمعنوي. بمعنى آخر، إنجازات المقاومة الكبرى بحاجة إلى ترميز وطني وضبط وفق التقويم الفلسطيني، في محاولة لإعادة مفهمة الفعل المقاوم وتقديسه في الوعي الجمعي الفلسطيني، على غرار تسمية "يوم الأرض"، التي جاءت في أعقاب رفض مصادرة الاحتلال أراضٍ في الجليل والمثلث والنقب عام 1976م.
وفي هذا الإطار، شهدت المواجهة مع الاحتلال في الثاني والعشرين من سبتمبر عام 2005م حدثًا مفصليًا مهمًا، يتمثل في تحرير قطاع غزة من الاحتلال وانجلاء المستوطنين عن أراضيه، بفعل المقاومة العسكريّة. ونظرًا لإدراك الاحتلال خطورة تحقيق أي إنجاز لمشروع المقاومة وانعكاسات ذلك على برنامجها السياسي، فقد عالجت حكومة الاحتلال الاندحار عن غزة من ناحية إعلامية عبر إظهار الاندحار كونه جرى من موقع قوة وتمكن، غير أن تعنت المستوطنين ورفضهم الخروج من مستوطنات قطاع غزة، أرغم الاحتلال على الإقرار بأن سبب الاندحار فقدان القدرة على حماية المستوطنات.
يعد إطلاق الناطق باسم المقاومة أبو عبيدة تسمية "يوم المقاومة" على ذكرى تحرير غزة واندحار الاحتلال عنها خطوة مدروسة وممنهجة، وتخدم الحفاظ على إرث القضية الفلسطينية ومخزونها المعرفي على صعد عدة، أبرزها: غرس قيمة الفعل المقاوم وجدواه في وعي الجمهور الفلسطيني، وإعاقة محاولات حرمان مشروع المقاومة من أي إنجازات ملموسة، سواءً فيما يتعلق بتحرير قطاع غزة أو ملفات أخرى؛ كصفقة "وفاء الأحرار" وغيرها من مجهودات عسكرية ميدانية في المعارك وجولات القتال.
لقد أسهم تحرير غزة بشكلٍ مباشر في انتقال المقاومة من مرحلة بدائية الفعل العسكري ومحدودة التخطيط والأدوات إلى مرحلة نضوج البنية التنظيمية واتساع دائرة التأثير، وهذا كفيل بجعل يوم التحرير يومًا من أيام المقاومة، تجدد فيه شرعيتها في أوساط الحاضنة الشعبية، وتشحذ من خلاله همم الأحرار في فلسطين المحتلة. إن المقاومة ما بعد 2005م ليست كما قبلها، لذلك لا بد من تأريخ إنجازات المقاومة المفصلية وتحويلها إلى مناسبات وطنية جامعة، تحافظ على وعي الجمهور والتفافه حول مشروع المقاومة.