حين يعلن الأسرى الفلسطينيون مسبقًا أنهم سيخوضون معركة الإضراب المفتوح عن الطعام، فذلك يعني أن حياتهم خلف الأسوار باتت موحشة، وأن الضغوط الإرهابية الصهيونية على حياتهم اليومية، تحتم عليهم أن يقاتلوا بأجسادهم، وأرواحهم، حتى انتزاع حقوقهم.
لقد حدد الأسرى مسبقًا يوم الجمعة بدايةً للإضراب المفتوح عن الطعام، بحيث يشارك في المعركة أكثر من 1380 أسيراً فلسطينياً، تعذبهم ثمانية سجون، وقد جاء الإعلان المسبق عن موعد الإضراب بهدف الوصول إلى جهتين:
الأولى: إلى مدير مصلحة السجون، والحكومة الإسرائيلية، رسالة تقول: بأننا لم نعد نطيق صبراً، وإن لم تستجيبوا لمطالبنا، فنحن ذاهبون إلى الإضراب المفتوح عن الطعام، ولن نتراجع قبل أن نحقق المطالب الحياتية التي قدمناها لكم، ومهما كانت النتائج، ولسنا وحدنا في المعركة، من خلفنا شعب عظيم، لن يخذلنا، وستنتقل المعركة من السجون إلى ساحات المواجهة.
الثانية: إلى الشعب الفلسطيني، رسالة تقول: نحن على طريق الحق، والحقوق تنتزع انتزاعاً، وبكم يا شعبنا المقاوم الصبور نخوض الإضراب، وكلنا ثقة أن شباب هذه الأمة، وصبايا فلسطين، لن يقبلوا على شرفهم الوطني السكينة، وهنالك آلاف الأسرى المضربين عن الطعام.
وقد جاءت البشائر لتقول للشعب الفلسطيني: لقد خضعت إدارة السجون، واستجابت لكل مطالب الأسرى، بعد أن أدركت أن الشعب الفلسطيني موحد في المواجهة، وقادر على الفعل الميداني.
الأسرى الفلسطينيون كانوا يعرفون مسبقاً أن الإٍسناد الجماهيري هو سلاحهم لمواجهة العدو، ويعرفون أنهم سيحتملون الجوع والعذاب من أجل حرية شعبهم، قبل أن تكون المعركة من أجل حريتهم، وهم يدركون أن وجودهم خلف الأسوار هو إحدى ساحات المواجهة، التي تمتد من غزة إلى القدس إلى فلسطينيي الـ 48 إلى مدينة جنين والخليل والجليل وباقي مواطن الاحتكاك اليومي مع عدوهم، ويعرف الأسرى أن حراك الضفة الغربية، والمواجهات على الحواجز، وهدم أمن المستوطنين، هو سلاحهم الفتاك لمواجهة صلف إدارة السجون.
لقد استجاب العدو لمطالب الأسرى العادلة خوفاً من غضبة الشعب الفلسطيني، وهذه رسالة نصر تؤكد على قدرة الشعب على صنع المعجزات، ومؤشر على أن الأسرى قادرون في المواجهة القادمة على انتزاع حقهم كأسرى حرب، ويطالبون بأن تطبق عليهم اتفاقية جنيف الرابعة. وهي ملزمة للعدو الإسرائيلي، وقد كان لضعف القرار السياسي الفلسطيني الأثر في إغراء مصلحة السجون على التعامل مع الأسرى وكأنهم كومة من اللحم، بلا حقوق إنسانية، وبلا مشاعر، وأنهم فائض أحمال، تخلت عنهم قيادتهم في اتفاقية أوسلو، واتفاقية الخليل، واتفاقية واي ريفر، واكتفت القيادة بصرف بعض الأموال، وبعض المناصب لإسكاتهم، وهذا ما يرفضه جميع الأسرى، الذين يعتبرون أنفسهم أسرى حرب، وتنطبق عليهم مواثيق الأمم المتحدة، بما في ذلك اتفاقية جنيف الرابعة، وهذا ما يجب أن يتحقق في المرحلة القادمة من الاستعداد لخوض إضراب مفتوح لا يكتفي بتحسين شروط حياة الأسرى.
هذا الانتصار المشرف الذي حققه أسرى فلسطين يؤكد أن العدو يرتجف من كل عمل وطني يحرك الشارع، ويستنفر قدرات الشباب، وهذا بحد ذاته درس سياسي لكل العاجزين عن المواجهة، ويحض على استثمار هذه الحالة الفلسطينية الناهضة بتحقيق المزيد من الانتصارات.