في الوقت الذي تسارع فيه الجهات الدولية إلى صرف 100 دولار من المنحة القطرية لعدد 100 ألف محتاج في قطاع غزة، تقوم الأونروا بصرف 40 دولارًا لكل فرد من أفراد 35 ألف أسرة في قطاع غزة، مبالغ مالية تضخ في غزة بموافقة دولية، ورضا إسرائيلي، والهدف النهائي لكل هذه المساعدة التي سقطت على رأس المحتاجين في قطاع غزة كقطرات المطر، الهدف هو عدم وصول غزة إلى الانهيار الاقتصادي، والحيلولة دون وصولها إلى الانفجار العسكري الذي لا ترغب به أمريكا، ولا تتمناه دولة العدو الإسرائيلي.
تقديم المساعدات العاجلة والطارئة لقطاع غزة لا يأتي من باب الإحسان، ولا من منطلق الشعور بالظلم، تقديم المساعدات يأتي من منطلق الخطة الإسرائيلية التي أعلنها وزير الخارجية الإسرائيلية يائير لبيد، وأيدها رئيس الوزراء ووزير الحرب، وتقوم الخطة على الهدوء مع غزة مقابل تحسين الوضع الاقتصادي لعدة سنوات، إنها سياسة المقايضة، واستتباب الأمن على طرفي الحدود كما يقول وزير الخارجية، الذي عدَّ أن المرحلة الأولى من الخطة هي إعادة الإعمار الإنساني لقطاع غزة، مقابل مكافحة تعاظم قوة حماس.
هذه السياسة الإسرائيلية -المدعومة من أمريكا- هي نفسها السياسة المطبقة على أرض الضفة الغربية، وتهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، إنها سياسة خذ وهات، خذوا رغيف الخبز، وهاتوا الأمن للمستوطنين، وهذه المصيبة ليست نتاج الانقسام الفلسطيني، كما يدعي البعض، وهم يتجاهلون حقيقتين:
الحقيقة الأولى: أن غزة تنتزع قوت يومها بسلاحها، دون أن تعترف لعدوها بحقه في أرضنا، ودون السماح بنزع سلاح المقاومة، فالتهدئة في هذه الحالة حياة، لأنها استراحة مقاتل، يتم استغلالها لتعاظم قوة المقاومة، لا لتقزيمها كما يطالب يائير لابيد.
الحقيقة الثانية: أن رام الله تنتزع قوت يومها من خلال عدم تفجر الغضب، وعدم مواجهة التوسع الاستيطاني، وعدم وقف الاعتداء على المواطنين، وعدم رفع الحواجز، فالتهدئة في هذه الحالة موت للقضية الفلسطينية، لأنها استراحة للمستوطنين، الذين يستغلون التهدئة لمزيد من سرقة أرض الضفة الغربية، والسيطرة عليها، وهذا ما يطالب به يائير لابيد.
انسلاخ الضفة الغربية عن غزة والقدس هي الورقة التي يوظفها العدو الإسرائيلي لتحقيق أطماعه، وما حديث وزير الخارجية الإسرائيلية عن تعزيز وجود السلطة الفلسطينية في غزة إلا ذر للرماد في عيون الحالمين بالمفاوضات، فالمصلحة الإسرائيلية العليا لم تكتفِ بتمزيق البلاد العربية، بل حرصت على تمزيق الأرض الفلسطينية، وهي حريصة على مواصلة سلخ الضفة عن القدس، وإبعاد غزة عن فلسطينيي الـ48، وعزل الأخ عن أخيه، وقد تحقق لهم هذا بفعل إصرار القيادة في رام الله على اعتراف غزة بشروط الرباعية لتحقيق أي مصالحة فلسطينية، ونسوا أن موافقة العدو الإسرائيلي على تقديم الأموال لغزة، وموافقته على التهدئة مع وجود آلاف الصواريخ يمثل أكبر اختراق إسرائيلي لشروط الرباعية!
خطة وزير الخارجية الإسرائيلي نافذة المفعول، وتُطبَّق على أرض الواقع، وهي تذبح القضية الفلسطينية من الوريد إلى الوريد، وليس أمام الفلسطينيين في هذه الحالة إلا أن يراجعوا مسارهم، وأن يعودوا للجذور التي انطلقت من أجلها الثورة الفلسطينية سنة 1965، والتي تقول: لن يتحقق تحرير فلسطين من النهر إلى البحر إلا عن طريق الكفاح المسلح، ومن خلال الوحدة الوطنية، وما دون ذلك فهو هيام في فضاء المفاوضات العبثية.
وكي تتحقق الوحدة الوطنية الفلسطينية؛ لا بد من احتقار شروط الرباعية، ولا بد من الشراكة السياسية، والقيادة الجماعية، والانتخابات الديمقراطية، وما دون ذلك، فمن الخطيئة أن نحمل الانقسام الفلسطيني مسؤولية ضياع فلسطين، ونتجاهل أسباب الانقسام.
ملاحظة: لن تكون غزة في يومٍ من الأيام سنغافورة، ولم تكن غزة سنغافورة زمن تدفق المساعدات مع بداية أوسلو.
غزة يخنقها حبل الاحتلال، وينقط في حلقها التغذية تنقيطًا، وكي تقطع غزة حبل الاحتلال عليها أن تواصل تنقيط الصواريخ بين عيني عدوها، حتى لا يرى حلًّا إلا بتركها لحالها.