لم يسدل الستار على قضية الأسرى في سجون الاحتلال بعد اعتقال أربعة من أبطال نفق الحرية الذين تمكنوا من انتزاع حريتهم بأظافرهم، وسيسجل التاريخ بحروف من نور أنهم استطاعوا كسر أنف الاحتلال، وضربوا المنظومة الأمنية للدولة العبرية، وهزوا الكيان وكسروا هيبته، وأعادوا قضية الأسرى، ومعاناة أربعة آلاف أسير فلسطيني يقبعون في "باستيلات" الاحتلال إلى واجهة المشهد الإعلامي والميداني.
على الرغم من الحزن والألم والجرح الذي أوجع أبناء شعبنا وعائلات الأسرى بإعادة اعتقال أربعة من أبطال العملية الستة؛ هذه المحاولة وحدت شعبنا بمختلف فئاته وكل أماكن وجوده خلف قضية الأسرى، وأثبتت أنها لا تقل قداسة عن قضية القدس والمسجد الأقصى، لأن الأسرى ضحوا من أجل فلسطين، ومن أجلنا جميعًا، لذلك برهن شعبنا بثورته التي اندلعت نصرة للأسرى أن قضيتهم حاضرة في قلب كل فلسطيني.
إن اعتقال أبطال "نفق الحرية" بعضهم أو جميعهم كان متوقعًا، وإن ما حدث لم يكن إلا جولة من جولات الصراع المفتوح مع الاحتلال، التي ستشكل القوة الدافعة لأبناء شعبنا في الضفة المحتلة لاستمرار انتفاضتهم العارمة في وجه الاحتلال، نصرة للأسرى ودفاعًا عن حقوقهم وحماية لأرضهم ومقدساتهم.
سيسجل التاريخ المشهد البطولي والشجاع للأسرى الستة أبطال معركة نفق الحرية ودورهم في كسر هيبة الاحتلال ومنظومته الأمنية، والحالة الوطنية الشعبية الجامعة التي واكبت هذا الحدث البطولي الكبير التفافًا وإسنادًا لقضية الأسرى في سجون الاحتلال.
وما من شك أن معركة نفق الحرية أحيت الأمل في نفوس أبناء شعبنا، وبرهنت على أن الضفة الغربية حاضرة في الميدان، وأن انفجارها في وجه الاحتلال للخلاص منه ما هو إلا مسألة وقت، وسيذيق شعبنا في الضفة المحتلة الاحتلال الويلات على جرائمه بحق شعبنا.
لا مجال لليأس وحالة الإحباط التي عمت بعد اعتقال الأبطال الأربعة لنفق الحرية؛ فقد حقق الأبطال الستة الهدف المنشود في توحيد أبناء شعبنا خلف قضية الأسرى، وإعادة إحياء أدوات الضغط والمقاومة الشعبية للمحتل، وفضح الجرائم العنصرية التي ترتكبها (إسرائيل) بحق أسرى ناضلوا وضحوا من أجل حرية شعبنا.
ولعل تصريح الناطق باسم القسام أبي عبيدة بالأمس أكد بما لا يدع مجالًا للشك أن الأسرى ليسوا وحدهم، وفي مقدمتهم أبطال نفق الحرية الذين سيكونون على رأس القائمة في أي صفقة تبادل للأسرى قادمة، وربما سيكون ذلك أقرب مما يتصور العدو نفسه، ورغم أنف عصابة الإرهاب التي تتحكم في دولة الاحتلال.
لا بد من التأكيد أن محاولة الاحتلال إظهار الأسرى في حالة ضعف وانكسار فشلت فشلًا ذريعًا في كسر الحالة المعنوية لشعبنا، ولم تقلل من إنجازهم البطولي وخوضهم معركة بأظافرهم وإمكانات بسيطة جدًّا، واستنزافهم دولة الاحتلال بكل أجهزتها وتقنياتها وجيشها، ومنظومتها الأمنية المتطورة جدًّا.
رغم كل الجهد الذي بذلته المؤسسة الأمنية في دولة الاحتلال، والحرب النفسية والإعلامية على الفلسطينيين، التي عقبت انتزاع الأبطال حريتهم وإعادة اعتقال عدد منهم، أشعلت قضية الأسرى انتفاضة حقيقية في كل المدن الفلسطينية حتى في الداخل المحتل، لأنها قضية مركزية لا خلاف فيها بين اثنين.
لقد فشلت آلة الاحتلال الإعلامية في إحداث شرخ بين فلسطينيي الضفة ومدن الداخل المحتل وإثارة حالة من الشك بأن الفلسطيني يمكن أن ينسلخ عن وطنيته وعن مسؤوليته الأخلاقية تجاه الأسرى، ببث روايات مضللة كاذبة عن دور مزعوم لفلسطينيي الداخل في تسليم الأسرى أو تركهم دون مأوى.
ويكفي الأبطال الستة شرفًا أنهم استطاعوا إيقاف (إسرائيل) على قدم واحدة عدة أيام وما زالوا، وأنهم استنزفوا الدولة بمشاركة الآلاف من رجال الشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية المختلفة في عمليات التمشيط والتفتيش بحثًا عنهم.
وحسبهم فخرًا أن (إسرائيل) ومنظومتها الأمنية أصابها شرخ كبير وزلزال كبير عندما استعانت بـ720 دورية شرطية وعشرات المركبات العسكرية ومئات السيارات المدنية المنتشرة على 250 حاجزًا شرطيًّا وعسكريًّا طيارًا، في عملية بلغت كلفتها اليومية أكثر من 5 ملايين دولار.
وختامًا إزاء هذه الملحمة التاريخية التي ستظل ترويها الأجيال القادمة نؤكد أن قضية الأسرى هي محل إجماع شعبنا في كل أماكن وجوده، وأن اعتقال أبطال الحرية ليس نهاية المطاف، لذلك نرى أن من واجب شعبنا إبقاء نار المقاومة مشتعلة في وجه الاحتلال، ومن واجب المقاومة -ولا نشك في ذلك- ألا تخذل الأسرى، وأن تضعهم في مقدمة أولوياتها وتفتح عليهم زنازين القهر والمعاناة في صفقة مشرفة تشفي صدور قوم مؤمنين.
والله غالب على أمره.