لم يتوقف الاحتلال الإسرائيلي عن نهش الأرض الفلسطينية في الضفة الغربية المحتلة، طيلة السنوات الماضية، وتحديداً بعد اتفاقية "أوسلو" التي وقعت بين منظمة التحرير والاحتلال الإسرائيلي، قبل 28 عاماً، إذ فتحت شهية الاحتلال على تكثيف الاستيطان بوتيرة أسرع.
وكان توقيع "أوسلو" المشؤومة في 13 سبتمبر/ أيلول عام 1993، سبباً في ضياع حقوق الشعب الفلسطيني، ومنذ ذلك الحين أخذت سلطات الاحتلال تتوسع في الاستيلاء على الأراضي الفلسطينية وزيادة أعداد المستوطنين والسلطة كـ"شاهد زور" لا تحرك ساكناً.
ومن بين ما نصّت عليه "أوسلو" هو انسحاب (إسرائيل) من أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة على مراحل أولها أريحا وغزة اللتان تشكلان 1.5% من أرض فلسطين، في حين تبدأ بعد ثلاث سنوات "مفاوضات الوضع الدائم" لعدة قضايا منها المستوطنات في الضفة وغزة (هل تفكك أم تبقى أو تزيد زيادة طبيعية؟ ومن يحميها السلطة أم جيش الاحتلال؟).
وقد مزقت (إسرائيل) تلك الاتفاقية ووضعتها في سلة المهملات، في حين أن السلطة تمسكت بها وطبّقت كل ما نصّت عليه، وأغمضت عينيها عن سياسات الاحتلال الاستيطانية، حتى باتت غالبية أراضي الضفة عبارة عن "كانتونات" مستباحة للاحتلال ومستوطنيه.
ويؤكد مدير وحدة مراقبة الاستيطان في معهد الأبحاث التطبيقية "أريج" سهيل خليلية، أن الاستيطان لم يتوقف مُطلقاً، وأعداد المستوطنين تتزايد، لكن وتيرتها ارتفعت أكثر بعد توقيع اتفاقية أوسلو.
وقال خليلية لصحيفة "فلسطين"، إن توقيع "أوسلو" كان بمنزلة فتح شهية للاحتلال بزيادة وتيرة الاستيطان والمستوطنين، مشيراً إلى أن الاستيطان تضاعف ثلاثة أضعاف حتى هذا اليوم.
وذكر أنه عند توقيع "أوسلو" كان عدد المستوطنين يبلغ 240 ألف مستوطن، 100 ألف منهم في الضفة و140 ألفًا في القدس، لكن عددهم الآن وصل إلى نحو 850 ألف مستوطن بالضفة والقدس.
وبحسب خليلية، فإن مساحة المخططات الهيكلية التي وضعتها سلطات الاحتلال تتجاوز الـ 540 كيلو متر مربع، فكانت مساحة البناء الاستيطاني وقت أوسلو 77 كيلو متر مربع، لكنها تجاوزت في الوقت الحالي 200 كيلو متر مربع.
وبيّن أن البؤر الاستيطانية لم تكن موجودة سابقاً لكنها وصلت في الوقت الراهن إلى 230 بؤرة بالضفة والقدس، فضلا عن زيادة الطرق الالتفافية حتى أصبح طولها 900 متر طولي.
وأفاد بأن منذ "أوسلو" توجد 20 منطقة صناعية للاحتلال تحتل 20 ألف دونم، لكن اليوم هناك مخططات لبناء 35 منطقة صناعية إضافية، شُرِع بالعمل في أجزاء منها.
أما فيما يتعلق بالوحدات الاستيطانية فقد بلغت في بداية "أوسلو" نحو 60 ألف وحدة استيطانية، لكنها وصلت اليوم إلى أكثر من 220 ألف وحدة استيطانية بالضفة والقدس، وفق خليلية.
وشدد على أن "الأرقام تدلل على أن الأمور على الأرض لا تسير بخير"، مؤكداً أن (إسرائيل) ما زالت تنتهك القرارات الدولية دون أي نوع من الحساب، إضافة إلى عدم التزامها اتفاقية أوسلو.
وأضاف: "لم ينفذ الاحتلال أيًّا من الشروط التي اتُّفِق عليها، بل استعرت الأوضاع أكثر وتضاعف البناء الاستيطاني تضاعفًا غير طبيعي".
وانتقد استمرار بعض الشخصيات المتنفذة بالمراهنة على أوسلو، نظراً للفوائد الاقتصادية التي تعود عليهم، على حساب الشعب الفلسطيني بأكمله.
وكشف أن المطروح في الوقت الحالي هو إقدام الاحتلال على إتمام "صفقة اقتصادية" يستفيد منها الشخصيات المتنفذة فقط، وذلك في حال الاستمرار بنهج التمسك بأوسلو والمصالح الشخصية والفئوية، لافتاً إلى أن الصفقة تكون بإعطاء امتيازات اقتصادية في قطاعات مُعينة مثل الصناعة والتكنولوجيا وغيرها.
ودعا خليليةُ السلطةَ إلى ضرورة مراجعة حساباتها والعدول عن سياساتها، من أجل مواجهة سياسات الاحتلال الاستيطانية وتحقيق مصالح الشعب الفلسطيني.
استغلال الاتفاقيات
ويتفق الخبير في شؤون الاستيطان والجدار صلاح الخواجا، على ما ذهب إليه سابقه، إذ يؤكد أن "أوسلو" خلقت أجواءً مناسبة للجمعيات الاستيطانية بنهش الأرض الفلسطينية وزيادة أعداد المستوطنين، على مرأى أعين السلطة.
وشدد الخواجا خلال حديثه مع "فلسطين"، على أن "الاحتلال يحاول استغلال الاتفاقيات والتحييد والتعامل مع المنطقة العربية لاستغلال الوقت وتهويد مناطق الضفة والقدس وليس البحث عن حلول سياسية".
وأوضح أن المستوطنين انتقلوا من معسكرات صغيرة إلى مستوطنات كبيرة، معتبراً ذلك "تطوراً خطِراً على الديموغرافيا والجغرافيا في الضفة، ومحاولات تزوير التراث الفلسطيني".
وبيّن أن دولة الاحتلال تخطط وتهيئ مجموعات الاستيطان لحرب أهلية أو ما يُعرف بـ "معارك الشوارع" بين المستوطنين والفلسطينيين، "وهذا ما نراه حالياً من اعتداءات ممنهجة لقطعان المستوطنين ضد الفلسطينيين"، وفق قوله.
وقال: "لا يمكن الرهان على دولة الاحتلال، ويجب أن نؤمن بأننا في مرحلة صراع وتحدٍّ، والسعي لإنهاء مشروع الاحتلال المدعوم دولياً لصالح المشروع الاستيطاني".
وحول تمسك السلطة بالمفاوضات، أكد الخواجا أن الدخول بمفاوضات على ذات النهج والأسلوب سيكون بمنزلة إعطاء وقت إضافي للمستوطنين وحكومة الاحتلال بفرض وقائع إضافية تدمر حلم الفلسطينيين بإقامة دولة فلسطينية خالية من الاستيطان.
وأشار إلى أن (إسرائيل) تدير الظهر لكل المنظمات الدولية، لذلك المطلوب خروج تلك المنظمات من دائرة الاستنكار والتنديد إلى التطبيق الفعلي عبر الضغط على الاحتلال بوقف الاستيطان في الضفة والقدس.
ودعا الخواجا إلى ضرورة تبني استراتيجية وطنية قائمة على وحدة الموقف الفلسطيني الرافض للاحتلال ومواجهة سياسته الاستعمارية.