بعد حرب أيار الماضي حاولت دولة الاحتلال أن تفرض واقعًا جديدًا على سكان قطاع غزة المحاصر، بخلق واقع جديد وتطبيق معادلة "ما كان قبل الحرب لن يكون بعد الحرب"، ولذلك فرضت إجراءات مشددة على إدخال السلع والبضائع، وضيقت الخناق على غزة، التي توقعت أن يتغير الحال إلى الأفضل بعد الحرب، واستبشرت خيرًا بالوعود التي قطعتها دول عديدة لبدء عملية إعمار ما دمره الاحتلال، ولكن سرعان ما تحطمت هذه الأحلام على صخرة القرارات التعسفية التي اتخذتها حكومة الاحتلال، وشحت السلع في قطاع غزة وارتفعت أسعارها ارتفاعًا كبيرًا.
وتحت مطرقة الضغط الشعبي وسندان الإجراءات الإسرائيلية وفشل الوسطاء في الضغط على الاحتلال اتخذت المقاومة -وهي جزء من الشعب- قرارًا بتفعيل كل وسائل الضغط الشعبي على الحدود الشرقية، بدءًا من التجمعات ومرورًا بالإرباك الليلي وليس انتهاء بالبالونات الحارقة، فكانت الرسالة واضحة من المقاومة: "لن ينعم الاحتلال بالاستقرار ما لم ينعم به أهل غزة، وما استمر الحصار ووسائل الضغط الأخرى على شعبنا ومقاومته".
الاحتلال تحت وطأة فعاليات الإرباك بدأ في بعض "التسهيلات"، بإدخال مزيد من البضائع التي كانت ممنوعة، وهو ما عدته فصائل المقاومة ذرًّا للرماد في العيون وخطوات غير كافية لإنهاء معاناة شعبنا، ورأت أن العدو يتلكأ في دفع استحقاق رفع الحصار الكامل عن قطاع غزة، ورفضت هذه "التسهيلات" رغم كل الضغوط التي مارسها عليها الوسطاء.
في غضون ذلك وجهت الفصائل -وعلى رأسها حركة حماس- عدة رسائل للاحتلال عبر الوسطاء (مصر وقطر)، بأنها لن تسمح باستمرار هذا الوضع في استمرار الحصار، وتحكم الاحتلال بمجريات ومقادير الحياة في غزة، وعدم السماح ببدء عملية الإعمار وربطها بملف الأسرى؛ وأنها ستعمل بكل قوة لرفع الحصار وتخفيف الأعباء عن أبناء شعبنا الفلسطيني.
في تقديري أن فصائل المقاومة الفلسطينية في غزة تراقب الأوضاع من كثب، ولديها الإصرار الكامل على عدم السماح باستمرار حصار وتجويع شعبنا، وبذل كل الجهود من أجل رفع الحصار عن شعبنا وتوفير حياة كريمة له كباقي شعوب الأرض، وهذا ما كفلته القوانين الدولية التي تمنع المحتل من معاقبة شعب بالحصار والتجويع.
ومن هذا المنطلق نرى أن المقاومة في المدة الحالية ستركز على وسائل المقاومة الشعبية، من أجل إيصال رسالة شعبنا ورفع الحصار عنه، على أمل أن يفهم الاحتلال الرسالة، وينصاع لإرادة شعبنا الذي يعاني وطأة الحصار والسياسة الممنهجة لتجويعه والتحكم في مختلف مناحي حياته، وإلا فإن الأمور ستأخذ منحنى التصعيد الذي لا يعرف أحد مداه إلا الله.
من المتوقع أن يستجيب الاحتلال لضغوط شعبنا ومقاومته، ليس لأنه يؤمن بالإنسانية، بل لقناعته أن أي جولة تصعيد جديدة لن تكون محسوبة النتائج، وستكون المقاومة جاهزة لتدفيعه الثمن، وتوسيع رقعة الزيت لإرغام الاحتلال على الاستجابة لمطالب شعبنا المشروعة، ولن يكون أمام الاحتلال إلا الرضوخ، ولن تكون غزة وحدها في الميدان، وأي تصعيد سيكون معناه انهيار حكومة الائتلاف الهشة، وانعكاسات سلبية وخطرة على مجمل الوضع الداخلي للكيان؛ فهو ما زال يعاني عواقب معركة سيف القدس.
غزة ومقاومتها بخير، ولن تقبل استمرار الحلول الترقيعية، مهما بلغت التضحيات، ومستعدة لكل السيناريوهات، لأنها بكل بساطة لن تقبل استمرار الظلم الواقع عليها، فهل يفهم الاحتلال الرسالة وينصاع لمطالب شعبنا المشروعة؟ هذا ما ستكشفه الأيام المقبلة.