تحدثت في مقال سابق في فقرة قصيرة بمناسبة الحديث عن مؤتمر بغداد قبل أيام، عن غياب المشروع العربي، واليوم أود توضيح المسألة لتكتمل الفائدة، فأقول:
الإعلام العربي يتهم إيران بأنها تعمل في المنطقة العربية بحسب مشروعها الفارسي، وأحيانا يقولون الشيعي، وهذا يعني أن النظام العربي يقرّ لإيران بمشروع واضح محدد، وهو يتضمن توسيع النفوذ الإيراني، وتوسيع نطاق المذهب الشيعي. ولها على المستوى العسكري مشروعاها النووي والبالستي. وهنا لا داعي للحديث في الأدوات ولا في آليات عمل المشروع.
ويقول الإعلام العربي إن لتركيا في عهد أردوغان مشروعها في المنطقة العربية وفي آسيا الصغرى، وهو مشروع يعمل على استعادة نفوذ الخلافة العثمانية في مناطق وجودها القديم، حيث ترى تركيا أنه ثمة قواسم مشتركة لها مع شعوب هذه المناطق، وتهتم السياسة الخارجية التركية، وبرامج المساعدات الخارجية بهذا المشروع بشكل مكثف في عهد أردوغان بعد انهيار أمل تركيا بالانضمام للاتحاد الأوربي.
ويمكن القول بأن لـ (إسرائيل) في المنطقة مشروعا خاصا يحتض يهود العالم كلهم، وهو مشروع يقوم على تثبيت دولة (إسرائيل) على كامل تراب فلسطين المحتلة، وإنهاء الصراع مع الأنظمة العربية، وتطبيع العلاقات مع دولهم، ونقل الصراع من فلسطين المحتلة لخارجها، وإقامة دولة عسكرية نووية تتفوق في القوة على كل أنظمة العرب مجتمعين. وأدوات ذلك المشروع معروفة، ولا داعي للتعرض لها.
وهنا يكمن السؤال المؤسف القائل: ما المشروع العربي الموازي لهذه المشاريع؟ أعني هل تجتمع الدول العربية على مشروع واحد محدد؟ وهل مشروعهم يقوم على مواجهة المشروع الإسرائيلي، أم على مواجهة المشروع الإيراني، أم على مواجهة المشروع التركي، أم على مواجهتها مجتمعة معا؟ وهل المواجهة هي خيار الأنظمة، أم التعاون مع هذه الدول هو الخيار؟ أنا لا أجد إجابة لهذه الأسئلة لأمرين على الأقل:
الأول يقول: إن لكل دولة عربية مشروعها القطري، والدول العربية لا تجتمع على مشروع واحد. قطر وليبيا وفلسطين تتعاون مع تركيا، والمملكة والإمارات ومصر في خصام معها. والثاني يقول: إن ما نرصده بين العرب والدول ذات المشاريع في المنطقة ( إيران وتركيا وإسرائيل) لا يقوم على المواجهة، ولا يقوم على التعاون البناء، وفي أحسن الأحوال العرب يقبعون في المنطقة الرمادية، ويديرون سياستهم بحسب الأحداث اليومية. فهم مرة متصالحون مع أصحاب هذه المشاريع، ومرة متخاصمون معها. ومرة بعضهم حليف لها مطبع معها، ومرة حليف ومنتقد، ومحرض عليها.
إن غياب المشروع العربي ليس وليد هذا العقد من الزمن، فيمكنني أن أزعم أن غياب المشروع العربي صاحب نكبة فلسطين عام ١٩٤٨م، وربما قبلها بسنوات طويلة. ويمكنني أن أقول إن عبد الناصر حاول أن يدعو لمشروع عربي مكون من: الاشتراكية، ومن الوحدة العربية، ومن بناء القوة، ولكنه فشل في دعوته، لأنه لم يكن صادقا، ولا مؤمنا بما يقوله، وإنما اتخذه مادة دعائية في مهاجمة الآخرين، وتغطية واقع نظامه الديكتاتوري المتسلط على الشعب، الذي يعمل من تحت الطاولة بعيدا عن الوحدة وعن مواجهة دولة الاحتلال والاستيطان.
جل من قارب هذه القضية من الباحثين اجتمعوا على غياب المشروع العربي، وأقروا بوجود المشاريع الأخرى، وغيرها كالمشروع الأمريكي، والمشروع الروسي، ومن ثمة يمكن القول بأن فشلنا نحن العرب هو بما كسبنا، واللوم لا يقع على أصحاب المشاريع وعلى تدخلاتهم، بل يقع على النظام العربي الغائب، وعليه نقول لا تلموهم لفشلكم، ولوموا أنفسكم وتقصيركم.