فلسطين أون لاين

عباس في لقاءات تجديد عقد العمل

كلما حاولتُ أن أكتب في غير موضوع فساد السلطة وخيانتها، وأن أريح نفسي والقارئ من قصصها وعارها، تأبى سلطة الحكم الذاتي إلا أن تظل العنوان الأبرز للخيانة في كل يوم، بأفعالها المشينة التي تنمُّ عن مدى الانحطاط الذي وصلت إليه.

فلا يظنن ظانٌّ أن هناك انقسامًا بين الشعب الفلسطيني، وأن هناك برامج سياسية مختلفة بين أطياف الشعب والأحزاب السياسية فيما يخص العلاقة مع الاحتلال الإسرائيلي، لأن كل من يسمي نفسه فلسطينيًّا يرى بأن (إسرائيل) كيان إحلالي غاصب وقائم على هضم الأرض والمقدسات وكل قادته مجرمو حرب، وليثبت صدق فلسطينيته يجب أن يطبّق ذلك الاعتقاد والرؤية منهجًا على أرض الواقع.

لكن الانقسام -إن صحّت تسميته- فهو بين طُغمة فاسدة تقبع في رام الله تتحكم في رقاب الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية المحتلة مستعينة بقوات الاحتلال الإسرائيلي، ويطبقون سياستها، منذ أن تنازلت عن حقوق الشعب الفلسطيني مقابل سلطة حكم ذاتي مرهون بقاؤها ببقائه، وبين بقية الشعب المناضل الذي يتخذ من مقاومة الاحتلال سبيلًا ومنهجًا لانتزاع حقوقه.

فبعد أكثر من ربع قرن على اتفاقية أوسلو وما تبعها من اتفاقيات المذلة التي وقَّعتها منظمة التحرير التي تنازلت عن سلاحها وعزّها، -بالمناسبة، حكومات الاحتلال المتعاقبة تتنصل من كل التزاماتها التي وقّعتها مع تلك المنظمة المسماة فلسطينية زورًا وبهتانا- لا تزال السلطة خاضعة تحت "البسطار" الإسرائيلي، وتنفذ ما يمليه عليها بدءًا من رئيسها محمود عباس وحتى أصغر عنصر أمن في الضفة المحتلة.

هذه المهانة التي تعيشها السلطة عبّر عنها وزير إعلام الاحتلال الإسرائيلي يوعز هندل بقوله: "إن مهمة السلطة فقط تنظيف شوارع جنين ورام الله من الزبالة، وأن من مصلحة الاحتلال عدم انهيار السلطة ودعمها اقتصاديًا".

أما عاموس جلعاد، الرئيس السابق للقسم الأمني – السياسي بوزارة الجيش فقال: إن السلطة الفلسطينية جزء من المؤسسة الدفاعية التي أقيمت هنا، التعاون الأمني معها رصيد استراتيجي لـ(إسرائيل).

هذه التصريحات الإسرائيلية خرجت تعقيبًا على لقاء جمع وزير دفاع الاحتلال برئيس السلطة محمود عباس في المقاطعة برام الله، لتؤكد بعض الأمور التي قد يغفل عنها البعض:

أولًا: لا حوارات سياسية بين الاحتلال والسلطة، وهذا ما أكده نائب رئيس الحكومة الإسرائيلية يائير لابيد الذي قال في أكثر من مناسبة: "إن التعامل مع أبو مازن والسلطة عمومًا هو في المجال الأمني وليس في مجال (وزارة) الخارجية، ولا توجد عملية سياسية مع الفلسطينيين، ولن تكون، وليس مُلحًّا بالنسبة لي أن أهاتف أبو مازن"، وعليه أُرسلَ وزير الحرب للقاء عباس.

ثانيًا: تأكيد وهم الدولة الفلسطينية تحت الاحتلال، فإن هذا اللقاء جاء أمنيًّا بحتًا ليؤكد أن (إسرائيل) لن تعطي السلطة الفلسطينية أكثر من حكم ذاتي يحفظ أمنها ويوزع رواتب موظفيها، فكيف لها أن تسمح بإعادة بناء دولة هي أصلًا دمَّرتها لتقوم على أنقاضها؟ وهذا تصدّقه تصريحات بينيت نفسه الذي قال: "لن نفاوض على دولة فلسطينية، ولن نسمح بقيامها".

ثالثًا: تجديد عقد العمل الأمني الوظيفي للسلطة الفلسطينية، فقد كشفت صحيفة معاريف أن اللقاء يهدف إلى تحقيق مصلحة مشتركة تتمثل في تثبيت الاستقرار الأمني في الضفة الغربية ومحاولة منع تعزيز القوة السياسية لحماس، مقابل قروض مالية تُدفع للسلطة، وأنه ليس بداية شهر عسل جديد بين الطرفين، بل يدلل على اعتبارات برغماتية تخدم في الوقت الراهن مصالح إسرائيلية ومصالح السلطة على حد سواء. وهذا أشبه بتجديد عقد العمل بين الاحتلال (رب العمل) والسلطة (العامل)، وما اجتماع القمة الثلاثية في القاهرة بين السيسي وعباس والملك عبد الله في شرم الشيخ إلا ليكونوا شهودًا على تجديد هذا العقد، وبعده سيزور بينيت مصر للتوقيع النهائي.

رابعًا: أن هذا اللقاء جاء بضغط أمريكي شديد، وذلك بعد ورود معطيات كبيرة بأن السلطة على وشك الإفلاس وربما الانهيار، وعليه فإن مصلحة (إسرائيل) وأمريكا في دعم السلطة اقتصاديًّا لمنع الإفلاس ومُحاصرة سياسة التراجع والهبوط لقيادتها، خاصة بعد السخط العارم في الشارع الفلسطيني عقب انتهاكات الأجهزة الأمنية المتصاعدة في الضفة الغربية، وكذلك خوفًا من تحقق إنجازاتٍ لصمود شعبنا في معركة "سيف القدس" والمقاومة الشعبية في بيتا وجبل صبيح والشيخ جراح وسلوان والعديد من مواقع الاشتباك مع الاحتلال، فاستجاب بينيت لتوجيهات البيت الأبيض واكتفى بإرسال وزير دفاعه.

خامسًا: وهو الأهم من وجهة النظر الفلسطينية، أن السلطة الفلسطينية ومعها حركة فتح ومنظمة التحرير، قد أضحت بلا برنامج سياسي يمكن رؤيته في تصرفاتها وعملها، وأنها ستهرول مجبرة أو طائعة إلى مفاوضات عبثية لم يجنِ شعبنا من ورائها إلا مزيدًا من المعاناة وتعميق الاحتلال والتطبيع معه، في المقابل فقد وضع عباس شروطًا تعجيزية كان أبرزها الاعتراف بـ(إسرائيل) للحوار مع حماس، فمنذ متى أصبح الاعتراف بالعدو والتنسيق معه شرطًا للمشاركة في العملية السياسية والحوار؟ وعليه فإن برنامج السلطة قد اقتصر على عقد عمل وظيفي مع الاحتلال تعمل على أمنه وتتحدث باسمه.