فلسطين أون لاين

تقرير المصايد الحيوية.. مشروع زراعي لقطع نسل ذكور "ذباب الفاكهة"

...
تصوير/ رمضان الأغا
غزة/ يحيى اليعقوبي:

زجاجةٌ بلاستيكية تتدلى من إحدى الأشجار، تلحظ في أعلاها عدة ثقوبٍ، تحتوي على محلول تجذب رائحته ذكور "ذبابة البحر الأبيض المتوسط" إلى "المصيدة الحيوية" التي أعدت للإيقاع بها.

شرق بيت حانون تنفرد مساحات زراعية شاسعة، يمر بينها المزارع الشاب علي أبو عاذرة متفقدًا مصايد بلاستيكية نصبها على أشجار البرتقال، يراقب مفعولها في القضاء على "ذباب الفاكهة" القاتل للثمار.

عمل أبو عاذرة على تركيب هذه المصايد على معظم أشجار أرضه البالغة مساحتها 40 دونمًا، ويعتمد عليها في إعالة أسرته.

وتظهر لسعات لهيب شمس الظهيرة واضحة على وجه المزارع أبو عاذرة وهو يتفقد الأشجار في المنطقة القريبة من السياج الأمني الفاصل شمال قطاع غزة، وكذلك ملامح السعادة والرضا عن أداء المصايد التي أراحته كثيرًا في مكافحة الآفة.

وتعد "المصايد الحيوية" أحد الأساليب الزراعية في مكافحة تلك الآفة التي تؤرق المزارعين في قطاع غزة، وتهاجم الأشجار طوال العام.

وبينما يقف أبو عاذرة متأملًا حبات البرتقال التي ما زالت خضراء وهي تكبر أمام عينيه، ألقى قطرات العرق التي تتصبب من ناصيته على الأرض، وأدخلنا في تفاصيل المصايد الحيوية وتأثيرها على ذباب الفاكهة.

يقول: "منذ عشرة أيام وضعنا المصايد على أشجار البرتقال، وبدأنا نلمس مفعولًا جيدًا وكبيرًا لها؛ لم نتوقعه".

يحدق في مساحة أرضه الكبيرة، ويشير بيديه إلى أن المساحة الخضراء كانت حتى وقت قريب مليئة بالذباب، مرددًا: "والآن الحمد لله ارتحنا منه".

ليس فقط الذباب رحل عن أرض أبو عاذرة، بل إن المصايد وفرت وقتًا وجهدًا كبيرين كان يبذلهما وغيره العشرات من المزارعين في مكافحة ذباب الفاكهة: "في السابق كنا نرش الأشجار بالمبيدات الكيمائية لمكافحة ذبابة البحر الأبيض المتوسط، وكان ذلك يكلفنا جهدًا بشريًّا وماليًّا بإعادة رش الأشجار كل أسبوع".

تحت إحدى الأشجار استظل أبو عاذرة من حر الشمس، عاقدًا مقارنة بين الطريقتين القديمة والجديدة في مكافحة الآفة، مبينًا أن الرش التقليدي غير مستدام إذ يزول أثر المبيد سريعًا ويعطي الذباب فرصة لمهاجمة الثمار وإتلافها، أما في مشروع المصايد فعملية المكافحة تستمر على مدار الساعة بفضل الزجاجات البلاستيكية التي تحتوي على محلول سُمي تجذب رائحته العطرية ذبابة الفاكهة إليه.

وبينما كان أبو عاذرة يعرض ثمارًا أكلها العفن وأخرى سقطت قبل تركيب المصايد، يقول المهندس الزراعي عمر الزعانين: "إن ذبابة الفاكهة عادة تهاجم الثمار قبل نضجها، إذ تعمل على فتح ثقبٍ داخل الثمرة لتضع الأنثى بيضها، حيث تتغذى اليرقات على الحبة وتتلفها إلى أن تسقط عن الشجرة".

بينما يمسك حبة البرتقال التالفة بين يديه، التي يظهر فيها كيف تقضم اليرقات الحبة من المنتصف، استحضر أبو عاذرة صورة ما حدث معه: "قبل عامين كان لدينا حمل جيد من البرتقال، وتفاجأنا ونحن نتفقد الثمار بتلف كمية كبيرة من الحصول".

سيجني المزارعون محصول البرتقال في نهاية كانون الأول (ديسمبر) القادم، وحتى ذلك الحين يبدي أبو عاذرة ارتياحًا، واطمئنانًا على المحصول.

وعن تقنية عمل المصايد يقول المزارع حسب ما شاهده على أرض الواقع: "لاحظنا أن الذكر هو الذي ينجذب للدخول إلى الزجاجة، فعندما يستنشق السائل السام يموت، ويبدو أن السائل يحتوي على مادة جاذبة، بالتالي لا تلقح الإناث وعليه يختفي الذباب".

إضافة إلى ذلك وفرت هذه المصايد مبالغ مالية كبيرة كان تنفق على رش المبيدات الحشرية.

ويشير أبو عاذرة إلى أن التكلفة المالية لرش الأرض كل أسبوع تقدر نحو ألف شيقل، فضلًا عن تشغيل ستة عمال للرش وتشغيل مولد كهربائي.

بحسب إفادة الادارة العامة للإرشاد والتنمية الريفية بوزارة الزراعة تعد ذبابة الفاكهة من أخطر الحشرات التي تصيب أشجار الفاكهة، وهي تحط على أكثر من 250 نوعًا من أشجار الفاكهة والخضار، أهمها الحمضيات واللوزيات والتفاحيات والمانجا والعنب والتين والجوافة والصبر، وبعض أنواع الخضار كالفلفل وغيرها من المحاصيل الزراعية، وهي موجودة على مدار العام.

وبالعودة إلى المهندس الزراعي الزعانين، يوضح أن المصايد الحيوية قدمتها اللجنة الدولية للصليب الأحمر بالتعاون مع وزارة الزراعة بغزة، وغطت حاليًّا قرابة 500 دونم في بلدة "بيت حانون"، وفي كل دونم ركب 10-15 مصيدة.

ويؤكد أن المصايد ناجحة بامتياز، وقد جربت على العنب واللوزيات والمشمش وقضت على "ذبابة الفاكهة"، ما يغني عن المبيد السام الذي كان يتطلب مدة آمنة قبل قطف الثمار، أما بعد المصايد فإن المزارع يمكنه قطف الثمار بأي وقت.