تناقلت وسائل الإعلام تصريحا على لسان وزير الشؤون المدنية حسين الشيخ جاء فيه: "بعد عدة لقاءات مع شخصيات أمنية وسياسية إسرائيلية مؤخراً تم الاتفاق على حصول السلطة الفلسطينية على مبلغ 800 مليون شيكل من الجانب الإسرائيلي، وذلك لتعزيز صمودنا على الأرض، وهناك وعود بزيادة الدعم المقدم للأجهزة الأمنية مقابل تعزيز التنسيق الأمني".
لست هنا في معرض الرد على هذه التصريحات التي تنم عن استمرار العقلية المرتهنة لإرادة المحتل وتصوير أي صفقة مع المحتل حتى ولو على حساب شعبنا وحقوقه الوطنية ومقدراته على انها انجاز وطني يهدف لتعزيز صمودنا على الأرض.. فهل قرأتم في كتب التاريخ إن دولة احتلال تسعى لتعزيز صمود الشعب الذي تحتله وتسيطر عليه أم أننا أمام حالة من الاستهبال والاستخفاف بالشعب الفلسطيني المتشبث بأرضه ونيل حريته.
إن هذه الصفقة التي أقل ما يقال عنها إنها مشبوهة وتأباها المصلحة الوطنية تهدف أولا الى إعادة الروح لجسد السلطة المريض في محاولة لتقويتها أمام الحراك الشعبي الذي يتنامى يوما بعد يوم مطالبا برحيل السلطة والذي زاد عقب جريمة اغتيال الناشط نزار بنات ما أعقبه من موجة احتجاجات طالت مختلف مدن الضفة الغربية.
وتهدف هذه الصفقة المشبوهة أيضا إلى تقوية الأجهزة الأمنية في مواجهة تنامي روح المقاومة في مدن شمال الضفة خاصة في جنين التي شهدت سلسلة من العمليات البطولية في التصدي لعربدة الاحتلال والتي نفذها الشباب الثائر الرافض للخنوع والذل حيث تسعى حكومة الاحتلال الى تقوية الأجهزة الامنية لإحكام قبضتها وسيطرتها على المدن التي تشكل خطرًا على جيش الاحتلال الذي يريد استباحة المدن في أي وقت دون أن يعترضه أحد.
الصحافة الإسرائيلية رحبت بمخرجات اللقاء الذي عقد بين غانتس وابو مازن في مقر المقاطعة واعتبرت انه كان لقاء هاما، وكان يجب أن يتم قبل مدة طويلة لتقوية السلطة والأجهزة الأمنية التابعة لها ضد حماس وفقدان السيطرة للسلطة في شمال الضفة وتحديدا جنين.
فيما علق أحد الصحفيين الإسرائيليين على اللقاء قائلا: "لإسرائيل مصلحة أن تكون السلطة قوية لمنع "الإرهاب" ولمساعدة الجيش في عمليات الاعتقال الليلية في مدن الضفة، في مقابل دفع الأموال وبعض التسهيلات المدنية.
أما غانتس فقد قال بصريح العبارة: "كلما كانت السلطة قوية سيكون لنا أمن أفضل ولا نضطر للعمل أكثر، وكلما كانت السلطة قوية كانت حماس أضعف".
في حين صرح وزير إعلام الاحتلال للقناة 11 العبرية: "بأن من مصلحتنا عدم انهيار السلطة، ودعمها اقتصاديًا، والمطلوب من السلطة تنظيف القمامة من شوارع جنين ورام الله وإضعاف حمــاس".
إذن يتضح من خلال هذه التصريحات الهدف من هذه الصفقة المشبوهة، فهم يريدون من السلطة ان تستمر في دورها كوكيل أمني حصري يؤدي خدمات امنية للاحتلال يتمثل في ملاحقة المقاومين واعتقالهم وتمكين جيش الاحتلال من الدخول بكل سهولة لاعتقال المطلوبين وإجهاض أي محاولات لمقاومة الاحتلال.
إن زيارة المجرم غانتس للمقاطعة تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أن دولة الاحتلال باتت تعاني من أزمة حقيقية وتستنجد بالسلطة لتعود لدورها المرسوم لها حسب الاتفاقيات، وبعد أن بدت زمام الأمور تنفلت من تحت إقدام السلطة وفي ظل حال الضغط الذي شكلته معركة سيف القدس وإذكاء الروح الثورية في مدن الضفة والداخل المحتل والتي أوجعت المحتل فجاءت هذه الزيارة التي في ظاهرها إحسان وإشفاق على حال السلطة المتردي وتقويتها اقتصاديا وأمنيا وتغييب الحلول السياسية.
ان الشعب الفلسطيني الذي أدرك باليقين فشل السلطة في تحقيق ولو انجاز واحد للقضية الفلسطينية يرى في هذه الصفقة المشبوهة بانها امعان من الاحتلال المأزوم من خلال اتباع سياسة فرق تسد والضغط على السلطة لمواجهة المقاومة سواء في غزة او الضفة.
نود ان نذكر مسؤولي السلطة أن جانتس تباهى بأنه أكثر القادة قتلاً للفلسطينيين، وأنه في الأشهر الأخيرة في ظل توليه منصب وزير جيش الاحتلال تضاعفت سياسة القتل والتدمير في عهده سواء في غزة أو في الضفة والقدس وكان الاجدر بالسلطة عدم الترحيب به في مقر المقاطعة، ولكن على ما يبدو فان سياسة القبول باي شيء ولو كان سرابا او مجرد اوهام هي المسيطرة على عقلية فريق أوسلو.
ان الحالة الجماهيرية التي عمت فلسطين عقب معركة سيف القدس تتطلب من السلطة العودة الى الارادة الشعبية وعدم الارتهان لأوهام المحتل وعهوده الزائفة التي سرعان ما تتبخر عند اول محك ولن تجني السلطة من ورائها أي مكسب سياسي وفي المقابل لن تستفيد من هذه الامتيازات سوى حفنة من المتنفذين والفاسدين الذين يغردون خارج الاجماع الوطني الفلسطيني ويعملون ضد مصلحة الشعب الفلسطيني وحالة الاجماع على المقاومة التي تشكلت بعد سيف القدس.
والغريب ان هذا اللقاء يأتي بعد ساعات قليلة من اعلان السلطة رفضها للمصالحة وأي لقاء مع حركة حماس الا بعد اعتراف الاخيرة بقرارات ما يسمى الشرعية الدولية التي تعني ضمنيا الاعتراف بـ(إسرائيل).
اننا ازاء هذه الحالة الفلسطينية المتشظية بحاجة لمزيد من تكاتف الجهود لمواجهة الأخطار المحدقة الكبيرة التي يصر فريق اوسلو على السير فيها لتصفية ما تبقى من الحقوق الفلسطينية والارتهان لإرادة المحتل والاصطدام مع الحالة الثورية المتنامية لدى الشعب الفلسطيني.
ان الاحتكام لصندوق انتخابات حقيقية نزيهة تضم الرئاسة والمجلس التشريعي والمجلس الوطني والتوحد خلف راية المقاومة هو السبيل الوحيد لتصحيح مسار التيه الذي يصر البعض على الاستمرار فيه الى ما الا نهاية.