"كلما كانت السلطة الفلسطينية قوية أكثر، كلما كان لدينا مزيد من الأمن"
عبارة لخّصت طبيعة العلاقة بين السلطة الفلسطينية والاحتلال، هذه العبارة هي محصلة اللقاء الذي جمع بين بني غانتس وأبو مازن.
طبعاً لم ينسَ غانتس أن يغلف هذه الصفقة الأمنية مع رئيس السلطة ببعض مما سمى "مكاسب" من فريق أبو مازن، مثل لم شمل عدد محدود من العائلات وزيادة تصاريح العمل لعدد من العمال الفلسطينيين العاملين في داخل أراضي 1948، لكن الأهم من ذلك كله هو موافقة غانتس على منح السلطة الفلسطينية قرضًا بقيمة 150 مليون دولار كما أعلن الصحفي الصهيوني "يوس يهوشع"، هذا القرض الصهيوني يأتي دعماً للسلطة بعد حالة التردي "الأمني" التي اجتاحت مدن الضفة الغربية وكان واضحًا جدا مدى تفلُّت قبضته الأمن الفلسطيني عن هذه المدن، الأمر الذي مكَّن بعضًا من المقاومين في جنين من أخذ زمام المبادرة واستعادة نفس المدينة المقاوم.
لا يخفى على كل ذي بصيرة أن هذا القرض سيكون مشروطًا حتما بأن يصرف على تعزيز قوات الأمن التي فقدت سيطرتها مؤخرا، لتستعيد هذه السيطرة وبما يعود بالفائدة على الجانب الصهيوني، وهذا ما أكدته عبارة غانتس التي لخّص بها لقاءه مع أبى مازن وهي معادلة (سلطة أقوى تساوى "أمن إسرائيل" أقوى).
من نافلة القول -وحتى لا يظن أحد أنني ضد أن ينتعش الشعب الفلسطيني اقتصاديا في الضفة- إن العدو الصهيوني ما زال يستقطع مبلغًا كبيرًا من الأموال الفلسطينية بدعوى أنها تصرف لأسر الشهداء والجرحى والمعتقلين وهو ما يعتبره "تعزيزًا للإرهاب" وبالتالي يسرق هذا المال علنًا من قوت الشعب الفلسطيني، ثم يعيده بشكل قرض واجب السداد للسلطة الفلسطينية علاوة على أنه مشروط بالصرف على تعزيز القوى الأمنية التي تخدم الاحتلال.
وذلك يعني ببساطة أن الاحتلال يسرق أموال الشهداء والجرحى والمعتقلين، ثم يقدمها للسلطة كقرض بفائدة طبعًا "حسب التقاليد اليهودية" وهذا المال مخصص لتعزيز الأمن الصهيوني، وبهذه الطريقة التي ابتدعتها العقلية الصهيونية الخبيثة لم تجعل من الفلسطيني فقط خادم للأمن الصهيوني فقط، بل لقد جعلت من مال المقاومين الفلسطينيين وسيلة لتعزيز الأمن الصهيوني، وعلاوة على ذلك تظهر (إسرائيل) أمام المجتمع العربي بمظهر من يمد يد المساعدة للسلطة الفلسطينية، ليصفق لها كل من وضعت على أعينهم غشاوة حب (إسرائيل) من أصدقاء (إسرائيل) العرب.
أبو مازن يقبل هذه الصفقة الملعونة بكل رحابة صدر، ويروج لها في إعلامه عبر ضابط إيقاع اتصالاته مع الاحتلال وأهم المقربين منه حسين الشيخ، الذي بشر الشعب الفلسطيني بنصر آخر على شاكلة "انتصاراته" على (إسرائيل) وكان "انتصاره" هذه المرة هو سماح (إسرائيل) بدخول خدمة جي فور للاتصالات الفلسطينية.
رغم الرفض الشعبي والفصائلي العارم لهذه الصفقة الناتجة عن لقاء أبو مازن غانتس، يرفض أبو مازن في ذات الوقت بصلف الحوار مع شركائه في الوطن، رغم أنه قد ألغى الانتخابات الرئاسية والتشريعية من وقت قريب خوفًا من خسارته فيها زاعمًا أن الاحتلال يرفض إجراءها في القدس، ويشرط لقبول الحوار شروط الرباعية الدولية التي صيغت في تل أبيب، وهو بذلك يريد أن يجعل من كل قوى المقاومة نسخة طبق الأصل من شخصه الذي ذهب بعيدًا في الرضوخ للاحتلال، حتى لم يعد هناك هدف يُبتغى من العلاقة بينه كرئيس للسلطة و بين الاحتلال سوى الإبقاء على هذه السلطة بأي شكل وعلى أي حال، حتى لو كانت مجرد وكيلًا أمنيًّا للاحتلال، وهذا بالمناسبة لم يعد أمرًا يحاول العدو إخفاءه، بل إنه هدف معلن بشكل واضح، وقد قاله غانتس عقب اللقاء مع أبى مازن "إن إسرائيل سوف تضطر للعمل بصورة أقل" طبعًا الحديث هنا عن الضفة الغربية ودور القوات الصهيونية في ملاحقة المقاومة.
أبو مازن حينما يقبل هذه الصفقة فهو يغوص عميقًا في بئر من الماء الأسن الصهيوني، ولا بد أن تمتد الأيادي الفلسطينية لإنقاذه من هذه البئر المظلمة، ولا يكفي أن تبادر ألفا شخصية فلسطينية من قادة الرأي ليطلبوا منه الاستقالة، بل يجب أن يتم التحرك الفعلي من هذه الشخصيات معززًا بكل القوى والفصائل للعمل على عزل محمود عباس وبذلك فقط يكون إنقاذه.