ثلاثة عناوين صريحة هي خلاصة لقاء رئيس وزراء الاحتلال "نفتالي بينيت" مع الرئيس الأمريكي "جو بايدن" نهاية الأسبوع الماضي 27 أغسطس 2021: عنوان إيراني وعنوان لغزة وآخر للضفة، إذ تعهد الرئيس الأمريكي بأنه "لا قنبلة نووية إيرانية"، ولكن دون عمل عسكري، وأن الخيارات كلها دبلوماسية، أما عن غزة فقد أكدت الإدارة الأمريكية "عدم الربط بين إعمار غزة والأسرى لدى المقاومة" من أجل ضمان الاستقرار واستمرار الجهود الأمريكية لخفض التصعيد في المنطقة، ومنح جهودها فرصة النجاح في تعزيز "سياسة الأمر الواقع" التي تنتهجها في المنطقة.
أما العنوان الخاص بالضفة الذي يهتم به هذا المقال فهو "منع انهيار السلطة ودعمها أمنيًّا واقتصاديًّا"، وهذا يأتي في سياق واضح بعدم رغبة إدارة الرئيس بايدن في تفعيل أي خطط أو برامج سياسية فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وهذا ما تؤكده كل سياساتها، فهي لم تقدم أي وعد بـ"تحريك عملية السلام"، أو "استئناف المفاوضات من حيث انتهت"، أو التبشير بمؤتمر دولي بعد عام (على غرار مؤتمر أنابوليس2007) لكسب الوقت، بل كانت صريحة وواضحة بأنه لا حل ممكن وقابل للتنفيذ خلال 4-8 سنوات من حكم أي رئيس أمريكي.
وهي تدرك أن الحالة السياسية للأطراف: (إسرائيل) والسلطة والولايات المتحدة أضعف من أن تكون قادرة على اتخاذ قرارات مصيرية، أو أن تكون لدى تلك الأطراف القدرة على فرض اتفاقيات نهائية، وهذا يأتي بعد سنوات من النضال الفلسطيني الذي أثبت أن الحقوق الفلسطينية لا يمكن قبول التفريط بها باتفاق أو تعهد، وتجربة أوسلو الفاشلة أوصلت الجميع إلى نقطة يأس من تكرار التجربة أو محاولة تطويرها أو تفعيلها.
تلك الحالة -لا شك- لم تأتِ نتيجة تغيير السلطة قواعد الاشتباك مع الاحتلال في رام الله والخليل أو نتيجة خوضها معارك مسلحة في شوارع جنين، إن حالة اليأس لدى العدو من قدرته على تمرير سياساته على الشعب الفلسطيني جاءت نتيجة نهج المقاومة الفلسطينية، التي تمثل جوهر السلوك الوطني في وجه الاحتلال، المقاومة التي منحها الشعب الفلسطيني الدماء والأبناء والأموال، وصبر معها على الحروب والتشريد والدمار أكثر من سبعة عقود متواصلة، تلك المقاومة التي قرر أن يمنحها ثقته، وإن حاصره العالم وتآمر عليه الأشقاء وتجاهله الأصدقاء.
التقديرات الأمريكية والإسرائيلية متطابقة بشأن الحفاظ على السلطة ودورها الأمني في الضفة الغربية، هذا الدور الذي يضمن حماية الاحتلال ومنع المقاومة من الفعل، وفي سبيل تحقيق ذلك لا مشكلة لدى الحكومة الإسرائيلية في منح بعض الرموز الأقل يمينية دورًا في التواصل مع السلطة من أجل تعزيزها إداريًّا واقتصاديًّا لتبقى قادرة على تقديم خدماتها الأمنية، التي تمثل الخيار الأقل كلفة في حربها على المقاومة في الضفة.
أيضًا تلك اللقاءات تمثل للسلطة طوق نجاة في حسم خلافاتها الداخلية بشأن النفوذ الداخلي والتحكم في موارد السلطة وامتيازاتها تمهيدًا لتوزيعها بعد نهاية حكم الرئيس عباس، وتعد بطاقة عودة إلى واجهات الأخبار وعناوين المواقع الصفراء في محاولات فاشلة للظهور بأنها لا تزال قادرة على المبادرة والفعل السياسي.
وبعيدًا عن العناوين الإسرائيلية التي تعكس التجاذبات الداخلية بين أقطاب الائتلاف الحكومي، إن لقاء وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي "بيني غانتس" مع رئيس السلطة "محمود عباس" برام الله في حضور منسق أعمال الحكومة الإسرائيلية "غسان عليان"؛ هو لتنفيذ توصيات الإدارة الأمريكية بمنع انهيار السلطة، وتعزيزها اقتصاديًّا ولوجستيًّا، لضمان قدرتها على أداء دورها الوظيفي في حماية الاحتلال من المقاومة.