اشترط محمود عباس للشراكة السياسية مع "حماس"، أن يوقِّع إسماعيل هنية شخصيًّا على تعهد يفيد بموافقة حركة حماس على شروط الرباعية، ولهذا الشرط الفج أهدافٌ، منها:
أولًا: يعرف محمود عباس مسبقًا أن إسماعيل هنية لن يوقع على مثل هكذا تعهد، حتى ولو قصوا كف يده، وفقأوا عينيه، ويعرف عباس أن تنظيم حماس والجهاد والشعبية والأحرار والمجاهدون وغيرهم من تنظيمات المقاومة الفلسطينية، لن يدنسوا أياديهم بمثل هكذا توقيع.
إذن، عباس لا يسعى إلى شراكة سياسية بأي حال من الأحوال!
ثانيًا: بعد وصول جو بايدن إلى الرئاسة الأمريكية، وقيامه بتجديد التكليف لمحمود عباس قائدًا للشعب الفلسطيني ـ كما قال بايدن ـ بدأ محمود عباس يلتقط أنفاسه، ويشعر أنه قوي، وأن مجال المناورة السياسية مع حركة حماس، ومع غيرها قد اتسع إلى حد فرض الشروط.
إذن؛ عباس لا يريدهم شركاء، وإنما في السجون أو القبور ضمن معادلة التعاون الأمني!
ثالثًا: يريد عباس أن يؤكد للشعب الفلسطيني أن كل التنظيمات الفلسطينية، بما في ذلك حماس، ستسير على نهجه السياسي، وستوافق على شروط الرباعية، وتعترف بإسرائيل، وتحارب المقاومة، ونقدس جميعًا التعاون الأمني مع المخابرات الإسرائيلية.
إذن؛ تسليم سلاح المقاومة والمقاومين لإسرائيل هو المسعى لمحمود عباس!
رابعًا: يريد عباس أن يقول للإسرائيليين وللأمريكيين: شكرا لكم على المساعدة، وسأظل الأكثر إخلاصًا ووفاءً لتعليماتكم، ولن تجدوا غيري قادرًا على كسر ذراع غزة العسكري، وجلب حماس صاغرة إلى شروط الرباعية.
إذن؛ هذه هي النقطة الحساسة التي انطلق منها اللقاء الذي عقد بين محمود عباس وبني غانتس في رام الله، وبمباركة نفتالي بينت، الذي يتطلع إلى تعزيز مكانته بين قومه، من خلال ترسيخ كل ما أنجزته دولة الغزاة سياسيًا طوال العشرين سنة الماضية.
لقد حرص محمود عباس على أن يكون اللقاء بينه وبين بني غانس سريًا، ودون التقاط صور، فالتآمر لا يتم في العلن، ولكن الإعلام الإسرائيلي الخبيث ـ ولأهداف لا نعرفها ـ تعمد أن يفضح اللقاء الذي استمر ساعتين ونصف، منها أربعون دقيقة لقاءً خاصًا سريًا بين وزير الحرب الصهيوني غانتس، ومحمود عباس، لم يطلع على تفاصل اللقاء ولا يعرف ما دار فيه، ولا ما تم الاتفاق حوله؛ حتى أقرب المقربين من عباس، بما في ذلك حسين الشيخ وماجد فرج، اللذَيْن أخرجا من غرفة الاجتماعات.
فماذا دار في الاجتماع السري المنفرد بين غانتس وعباس؟
من المؤكد أن مستقبل قطاع غزة كان محور اللقاء السري، وهذا ما أكده مكتب غانتس، الذي أعلن أن الطرفين ناقشا تشكيل الواقع الأمني والاقتصادي والمدني في الضفة الغربية وقطاع غزة، ولكنه أضاف: إسرائيل مستعدة لسلسلة من الإجراءات التي من شأنها تعزيز اقتصاد السلطة في الضفة الغربية. وفي هذه النقطة الاقتصادية لم يذكر غزة مطلقًا.
تأكيد مكتب غانتس أن قطاع غزة كان جزءًا من اللقاء، يثير المخاوف والشكوك، فماذا يرتب هذان الحليفان المعاديان لأهل قطاع غزة؟ وما هو مستقبل قطاع غزة من وجهة نظر شخصين يحقدان على غزة وأهلها، ويعرفان أن مصدر القلق والخوف والإزعاج والتهديد لمستقبل كليهما، هو قطاع غزة، لأنه البقعة الجغرافية الخارجة عن سيادة الطرفين، ويمتلك سلاح المقاومة ضد الاحتلال، وعليه، فإن كل ما اتفق عليه الطرفان في الاجتماع السري، سيظل مهددًا بالتقويض طالما ظل قطاع غزة منتصبًا كرمح عربي يأبى الانكسار.
لقد أكد مصدر مقرب من نفتالي بينت ما ذهبنا إليه حين قال: إن لقاء وزير الحرب غانتس برئيس السلطة عباس، كان من أجل القضايا العسكرية، وعمليات التنسيق الأمني بين الجيش والسلطة فقط، وإذا كنا ندرك أن التنسيق والتعاون الأمني بين الجيش الإسرائيلي والسلطة قائم، فما المقصود بالقضايا العسكرية بين الطرفين غير استهداف غزة؟ ولا سيما أن المصدر المقرب من بينت قد أشار إلى أنه لا توجد عملية سياسية مع الفلسطينيين في الوقت الراهن، ولن تكون هناك عملية سياسية في المستقبل القريب، وفي هذا التصريح اختصار لكل التكهنات والتحليلات، فلقاء عباس مع وزير الحرب محصور بالوظيفة الأمنية التي تقوم بها السلطة، وسبل تطوريها لتتعدى الضفة الغربية إلى عمل عدواني ضد غزة، مقابل تعزيز مكانة السلطة لدى سكان الضفة الغربية! ألم يسبق اللقاء تقديم مساعدات مالية للسلطة على هيئة قرض بمبلغ 800 مليون دولار أمريكي؟
لقاء غانتس عباس عقد في مدينة رام الله، فوزير الحرب لم يدع عباس للقائه في القدس، ولا في تل أبيب، فهذه أماكن محرمة على أمثال محمود عباس مهما قدم لهم، لقد عقد اللقاء في رام الله، حيث السيادة للإدارة المدنية الإسرائيلية، ممثلة بالجنرال الصهيوني الذي أصيب بجراح خطيرة قبل عدة سنوات على بوابات غزة، الجنرال غسان عليان، الذي لم يشارك في اللقاء السري!
أما زمان اللقاء، فقد تقرر مجرد انتهاء زيارة بينت لأمريكا، وقبل عودته، وذلك لأمرين:
الأول: لتأكيد موافقة إسرائيل على الطلب الأمريكي، بأن يبقى الوضع في الاراضي المحتلة على ما هو عليه سياسيًا، مع عرض رزمة تسهيلات مدنية، وأن يصير تحسين ظروف الحياة المعيشية لسكان الضفة الغربية.
ثانيًا: لقطع الطريق على لقاء بينت مع عباس، وهذه هو الأصل في اللقاء، والذي يشترط الندية، فطالما كان عباس رئيسًا للسلطة، فالأجدر أن يلتقي مع رئيس الوزراء، لا مع شخصية أقل درجة، حتى ولو كان وزير الحرب، ولكن بينت أراد أن يؤكد لعباس أن أراضي الضفة الغربية قضية أمنية محضة، ومستوى اللقاءات فيها أمنيًا، وليس سياسيًا!
فهل صارت قضية فلسطين رغيف خبز، وفرصة عمل، وآلية سفر على المعبر، وصرف الرواتب مطلع الشهر، والتنقل بين المدن الفلسطينية، وصرف شيك الشؤون الاجتماعية؟
هذا السؤال ستجيب عليه التنظيمات الفلسطينية المقاومة من خلال موقف وطني موحد، بعيدًا عن الشجب والإدانة، على التنظيمات الفلسطينية والقوى السياسية أن تخرج علينا بوثيقة عمل، تبدأ بتجريم اللقاء مع وزير الحرب، وتخوين كل من يلتقي مع العدو الإسرائيلي، وعليه يصير تحديد فترة زمنية قصيرة، على حركة فتح أن تختار خلالها بديلًا لمحمود عباس، وما دون ذلك، فالمحاكمة الشعبية لمحمود عباس وفق قانون القضاء الثوري واجبة، مع البدء الفوري بخطوات عقد مؤتمر وطني فلسطيني جامع، يفرز قيادة جديدة للشعب الفلسطيني.