بعد تعثر الوسطاء في جلب الحقوق وتنفيذ مطالب المقاومة الفلسطينية عقب إعلان وقف إطلاق النار في معركة سيف القدس، وحدات الإرباك الليلي تبدأ فعالياتها على حدود قطاع غزة، مع توجيه البوصلة نحو تفعيل الكثير من الأدوات البعيدة عن الاشتباك المباشر مع جيش الاحتلال الإسرائيلي، لأن المقاومة قد لا ترغب بالدخول في مواجهة مفتوحة أمام العدو الصهيوني في هذه المرحلة، وهناك خيار تجد المقاومة أنه يمثل أداة ضغط فاعلة، ستجبر حكومة الاحتلال على التراجع كثيرًا والنزول عند شروط المقاومة، وفقًا للتفاهمات التي تمت عبر الوسطاء، والتي نتج عنها وقف إطلاق نار متبادل ومتزامن، وحققت خلالها المقاومة نصرًا مهمًا في مرحلة مليئة بالتعقيدات، يشوبها الكثير من المحاذير والمتغيرات.
المدة التي منحتها المقاومة للوسطاء، للضغط على حكومة الاحتلال، أرى أنها كانت كافية، ولم تسبب إشكالات في العلاقات المتبادلة بين فصائل المقاومة الفلسطينية والوسطاء، وهو أحد أهم الجوانب المهمة التي يجب الحفاظ عليها، بل وتعزيزها، لأن المفاوضات التي تدور رحاها بين المقاومة والاحتلال بعد الانتصار الكبير بمعركة سيف القدس أشد صعوبة، وأكثر عمقًا، ويمارس الاحتلال خلالها أساليب التسويف والمماطلة، محاولاً فرض معادلات سياسية، لرسم صورة انتصار ضبابية، افتقدها جيش الاحتلال أمام بسالة وصلابة المقاومة، وأمام صمود أبناء شعبنا العظيم.
وبصريح العبارة قد يلجأ العدو للكثير من الأدوات التي تعزز الحصار المفروض على قطاع غزة، إن لم يكن هناك استراتيجية أعدّتها المقاومة لضرب البنية التحتية للحكومة الصهيونية، ونسف كافة ما يخطط له رئيس الحكومة "نفتالي بينيت"، لأن ما تسعى إليه حكومة "بينيت" هو تثبيت وضع سيئ في قطاع غزة، وخفض سقف شروط المقاومة، وأن يكون التفاوض مرهونا بأثمان كبيرة يدفعها الفلسطينيون، على غرار ما حدث بعد التوقيع على اتفاق "أوسلو" حين تنصلت حكومة الاحتلال من الاتفاق، ولم تقدم للفلسطينيين أيًا من المطالب التي تحقق عودة اللاجئين، وإقامة دولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران عام 1967م.
الإرباك الليلي واستخدام بعض الأدوات والوسائل الخشنة لانتزاع الحقوق أعتقد أنها غير كافية لتحقيق مطالب أبناء شعبنا، وأن المقاومة تدرك ذلك تمامًا، لأن الخيارات مفتوحة أمامها، والأهم توظيف كل الأدوات بقدر الإمكان، للمساهمة في التصدي لمعادلات الاحتلال المتمثلة في تعزيز الحصار، والمماطلة في تنفيذ شروط المقاومة.
ومع ازدياد تردي الحالة الاقتصادية التي يرزح تحتها سكان القطاع في ظل الحصار المتواصل والمشدد من قبل الاحتلال الإسرائيلي، الذي بموجبه يمنع ويعرقل دخول وخروج السلع والبضائع من قطاع غزة وإليه، وعدم السماح بدخول أموال المنحة القطرية، وأموال إعادة الإعمار، ساهم ذلك في تدهور الأوضاع الاقتصادية، التي مست تداعياته معظم القطاعات الأخرى، والتي قد تدفع للتحرك نحو صياغة حلول تقترب من عودة الاشتباك المسلح، للجم العدوان، وحماية أبناء شعبنا، وانتزاع حقوقه، والعمل على حمايته بالدم والحديد والنار.