الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:
فإن شأن الدعاء عظيم، ونفعه عميم، ومكانته عالية في الدين، فما استجلبت النعم بمثله ولا استدفعت النقم بمثله، ذلك أنه يتضمن توحيد الله، وإفراده بالعبادة دون سواه، وهذا رأس الأمر، وأصل الدين.
وإن شهرَ رمضانَ لفرصةٌ سانحة، ومناسبة كريمة مباركة يتقرب فيها العبد إلى ربه بسائر القربات، وعلى رأسها الدعاء؛ ذلكم أن مواطن الدعاء، ومظانَّ الإجابة تكثر في هذا الشهر؛ فلا غَرْوَ أن يُكْثِر المسلمون فيه من الدعاء.
ولعل هذا هو السر في ختم آيات الصيام بالحثّ على الدعاء، فيقول ربنا (عز وجل): "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُواْ لِي وَلْيُؤْمِنُواْ بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ".
وللدعاء فضائل عظيمة؛ فأمر الله (تعالى) عباده بالتوجه إليه، ودعائه والتضرع إليه، وجعل من لم تستقم نفسه إلى التوجه إلى الله والتضرع إليه من المستكبرين عن هذه العبادة العظيمة، قال (تعالى): "وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ"، وقال أيضًا: "وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ"، وقال (صلى الله عليه وسلم): "الدعاء هو العبادة، قال ربكم: ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ"، وقال أيضًا: "إن ربكم (تبارك وتعالى) حيي كريم يستحيي من عبده إذا رفع يديه إليه أن يردهما صفرًا"، عن عبادة بن الصامت قال: "قال (عليه الصلاة والسلام): "ما على الأرض مسلم يدعو الله بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو صرف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم"، فقال رجل من القوم: "إذا نكثر؟"، قال: (الله أكثر)".
وروى مسلم عن أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم) أنه قال: "لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم ما لم يستعجل"، قيل: "يا رسول الله، وما الاستعجال؟"، قال: "يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أرَ يستجاب لي!، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء"، وقال (صلى الله عليه وسلم): "القلوب أوعية وبعضها أوعى من بعض، فإذا سألتم الله فاسألوه وأنتم موقنون بالإجابة، فإنه لا يستجيب لعبد دعاه عن ظهر قلب غافل".
فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): "ثلاثة لا ترد دعوتهم: الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء"، ويقول: "بعزتي لأنصرنكِ ولو بعد حين".
ومن آداب الدعاء الثَّناء على الله (تعالى) والصلاة والسلام على رسول الله (صلَّى الله عليه وسلَّم) في الدعاء، وأنْ يحرص الدَّاعي على الالتزام بآداب الدعاء من وضوءٍ واستقبالٍ للقبلة ورفع اليدين، وأنْ يتوسَّل إلى الله بأسمائه الحسنى وصِفاته العلى، وألا يدعو بإثمٍ ولا قطيعة رحمٍ.
وأنْ يبتعد عن الأمور التي تمنَعُ إجابةَ الدعاء، ومنها: أكل الحرام بالربا أو الغش أو غيرهما.
ففي صحيح مسلم أنَّ الرسولَ (صلَّى الله عليه وسلَّم) ذكَر الرجل يُطِيلُ السَّفر، أشعث أغبر يمدُّ يدَه إلى السَّماء: يا رب، يا رب، ومطعَمُه حَرامٌ، ومَشرَبُه حرامٌ، ومَلبَسُه حرامٌ، وغُذِّيَ بالحَرام، فأنَّى يُستَجاب لذلك؟!
ولا تنس _أخي المسلم_ أنْ تختار الزَّمان الفاضل، وذلك في وقت السَّحر، وفي أدْبار الصَّلوات المكتوبات بعدَ التشهُّد وقبلَ السلام، وما بين الأذان والإقامة، وفي الساعة الأخيرة من يوم الجمعة، وعند دُخول الإمام إلى أنْ تنقَضِي صلاةُ الجمعة.
وأخيرًا: فلا تنسَ وقتَ الإجابة عندما تُفطِر؛ فإنَّ دعوةَ الصائم عند فِطره مستجابةٌ.
وصلِّ اللهم وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وإلى لقاء آخر بإذن الله، أستودعكم الله الذي لا تضيع ودائعه، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.