فلسطين أون لاين

ما الحكمة من تجريب المُجرَّب في غزة؟

يقول المثل: من استطاع أن يقول: جم (كلمة من حرفين) يستطيع أن يقول: جمل (كلمة من ثلاثة حروف)، وهذا حال غزة، وهي تدعو إلى الحشد على الحدود شرق خان يونس يوم الأربعاء القادم، فالحشد في مخيمات العودة خطوة على طريق التصعيد، تبدأ بالمناوشة، ثم تأخذ منحنًى تصاعديًّا، قد يصل إلى إطلاق النار، وأزعم أن المقاومة جاهزة، ومستعدة لكل احتمال، بما في ذلك التصعيد إلى حد قصف تل أبيب بالصواريخ.

دعوة الجماهير للاحتشاد على الحدود أمر مألوف لأهل غزة، وهو جزء من المواجهة، وإعلاء الصوت الرافض للحصار، لقد جربت غزة مسيرات العودة من قبل، وهي مرحلة من مراحل الصراع مع العدو، تم خلالها اختبار الإرادة الفلسطينية، ودللت الجماهير على استعداها للتضحية والعطاء، وهذا الذي أفصحت عنه الجماهير الفلسطينية قبل أيام، وهي تحتشد في مخيم ملكة شرق غزة، وترسل الرسائل الرافضة للحصار والاحتلال.

الحشود الجماهيرية على الحدود مقلقة للعدو، ومربكة لحساباته، ولا يتمناها، فهي وسيلة ضغط، وهي متممٌ للمقاومة الخشنة، التي تتصاعد، وتشكل مع الحشود ثنائية الفعل الميداني المواجه لمرحلة الصلف الإسرائيلي، وكل هذا الترتيب ليفرض على قيادة غزة الحرص على عدم تقديم الجرحى بلا مقابل، وليكن لكل قطرة دم فلسطينية تسيل صدى من الوجع في صفوف العدو، ولا بأس من مراجعة الحسابات، وتقييم حجم الربح السياسي من الخسارة بعد كل خطوة.

إن تواصل المؤامرة على غزة، وتصاعد وتيرتها لتهدف إلى نهنهة حياة أهل غزة، وتجريدهم من الانتماء الوطني، وتحريك أحقاد العاجزين ضد المقاومة، وهذا ما يحتم على قيادة غزة أن تبتدع أشكال رد تناسب مع كل مرحلة من التآمر، وإذا كان احتشاد الجماهير على الحدود يحمل الرسائل بعيدة المدى، والتي ستفرض نفسها على لقاءات رئيس الوزراء الإسرائيلي مع الرئيس الأمريكي، فإن هذا الاحتشاد الجماهيري لا يكفي ليفرض على العدو الاستجابة لمطالب أهل غزة، ولا يكفي لوقف العدوان على المقدسات، فنحن أمام عدو إرهابي، لا يفهم إلا لغة القوة.

وإذا كانت الحشود الجماهيرية خطوة أولى ضرورية تسبق خطوة المواجهات المسلحة، وتهيئ لها، وتعفي المقاومة الفلسطينية من مسؤولية التصعيد أمام المجتمع الدولي والوسطاء، فإن المواجهات المسلحة هي أقصر الطرق لتحقيق الأهداف، وإذا توفرت النية، واكتملت الإرادة، واستوجبت الضرورة ذلك، فلتكن مواجهة مفتوحة على كل احتمال، ولتكن طويلة المدى، فالاستنزاف قد يرهق أهل غزة، وقد يدمي جرحها، ولكن الاستنزاف يوجع العدو أيضًا، ويقلقل أمنه واستقراره، ويفتح في جبهته الجراح على مدار الساعة، فإذا اشتبكت المعاناة مع المعاناة، ونزفت الجراح على الجراح، يبدأ البحث عن الحلول، وهنا لا بد من التذكير بأهمية القدس عنوانًا للمواجهة، وأهمية نصرة المنتفضين في الضفة الغربية، مع أهمية تعزيز الرابط بين الكل الفلسطيني، والذي أثبت انتماءه ووفاء لأرضه ووطنه.

ومن قال: جم، لا بأس أن يقول: جمل، وليس لنا إلا الجمل سفينة نعبر بها صحراء الحصار.