فضلًا عن التحديات الخارجية التي يواجهها جيش الاحتلال المتمثلة في التهديدات الأمنية والعسكرية، إنه يواجه أزمات داخلية متلاحقة، لكنها لا تجد طريقها إلى وسائل الإعلام بالصورة الكافية، لا سيما تلك المتعلقة بالتعيينات الخاصة بكبار قادته وجنرالاته.
قليلة هي التسريبات التي تخرج من هيئة رئاسة أركان جيش الاحتلال، وتتحدث عن عاصفة يشهدها عقب تعيين هذا الجنرال أو الضابط الكبير، ما يتسبب بإحداث ضجة كبيرة في أوساطه، ما يشير إلى أبرز الإشكالات التي تواجه مستويات صنع القرار في الدولة والجيش والمؤسسة العسكرية.
جرت العادة أن يشهد تعيين القادة الكبار في صفوف الجيش صراعات عنيفة تهز دوائر صنع القرار، على مختلف المستويات: السياسية والأمنية والعسكرية والقضائية والإعلامية، لا سيما في حال توجيه اتهامات شديدة وأحيانًا غير مسبوقة لهذا المرشح أو ذاك، ذات بعد شخصي تتعلق بالفساد، أو إشكالات مرتبطة بأدائه العسكري، ترتبط بفشل هنا أو إخفاق هناك.
لن تبالغ هذه السطور إن تحدثت عن "معارك شرسة خفية"، توصف بأنها "غير أخلاقية" تدور رحاها بين وزراء الحرب ورؤساء الأركان، وتصل إلى حد توجيه الاتهامات لبعضهم بتدبير "المكائد" بحق البعض الآخر.
يمكن الحديث عن تسريب أسرار تحيط بهذه الظاهرة "الفضيحة"، حتى إنها لم تعد ترتبط بمستوى شخصي فردي لهذا الجنرال أو ذاك، لكثرة ما كانت "مبتذلة" و"رخيصة"، فضلًا عن كونها تعصف أحيانًا بأقوى مؤسسة عسكرية في المنطقة، في وقت تعيش فيه الدولة تحديات عسكرية وأمنية، محلية وإقليمية ودولية، من المتوقع أن تتطلب من جيش الاحتلال أن يكون في ذروة تماسكه، والتفافه خلف قيادة موحدة.
تزدحم الوثائق الإسرائيلية بتفاصيل عن هذه "الحروب" الدائرة خلف الكواليس، دون إسالة الدماء، من داخل جيش الاحتلال ووزارة الحرب ومكتب رئيس الحكومة، وآلاف المقتطفات الصحفية، فضلًا عن العشرات من محاضر التحقيق التي تجريها الشرطة العسكرية مع نخبة من قيادات الجيش وجنرالاته "المتهمين"، رغم ما تبذله الرقابة العسكرية من تعتيم وتقييد، بدواعي الحفاظ على هيبة (الجيش والدولة).
هذا يؤكد أن "الفضائح" التي تحيط بجيش الاحتلال الإسرائيلي بين حين وآخر لا تبدأ خلال تعيين رئيس أركانه فقط، أو قادة مختلف المناطق العسكرية فحسب، بل إن ذلك يشكل ذروتها، في ضوء وجود سلسلة من التجاوزات والخروقات للأدبيات العسكرية التي وقعت في أهم وأخطر وحدات جيش الاحتلال.
كل ذلك يترك آثاره بانتشار حالة من العداء والكره المتبادلين شملت مختلف مناحي فرقه، وشيوع أجواء من الضغينة والمكيدة اللتين بات كل جنرال يكنهما لرفيقه المفترض، وسط غياب شبه كامل لسيطرة وزير الحرب رئيس الحكومة، ما يمس بثقة الجمهور في جيشه، ويخلق نوعًا من المنافسة الرخيصة داخله.