القِبلة التي يزحف نحوها الشهداء والثائرون والصامدون، وبوصلة المقاومة، وروح الثورة، ومعراج النبي صلى الله عليه وسلم، يمر اثنان وخمسون عاما على تطرف أحد المجرمين الصهاينة، المدعو مايكل روهان، الذي أحرق المسجد الأقصى، على طريق المعتقدات الصهيونية والحرب العنصرية التي تستهدف المقدسات الإسلامية في مدينة القدس والخليل وبيت لحم وكل محافظات الوطن.
لقد أقدم (روهان) على هذه الجريمة تحت غطاء كامل من قوات الجيش الصهيوني التي هيأت له كل التسهيلات، لاقتحام المسجد الأقصى، وإشعال النار في المسجد القبلي، وبعض الأماكن الأخرى المجاورة له، ووفقًا لبعض الوثائق التي نشرت، فقد أكدت قطع جيش الاحتلال المياه عن المسجد الأقصى، وعرقلة وصول سيارات الإطفاء، وإغلاق الطرق والمنافذ لمنع وصول سكان الضفة الغربية لمدينة القدس، وفرض حصار كامل على المسجد، لإكمال المشهد الذي تدعمه الحكومة الإسرائيلية لهدم الأقصى، وهو أحد المخططات الصهيونية آنذاك لبناء هيكلهم المزعوم.
إن هذه الأحداث التاريخية كشفت عن الكثير من توجهات الاحتلال نحو القدس، وأن المدينة باتت في مرمى التهويد، والإعلان عن الكثير من المشاريع الاستيطانية فوق أراضي المقدسيين، وهدم مئات الوحدات السكنية ومصادرة المحال التجارية، والاستيلاء على منازل المواطنين، وعلى أحياء فلسطينية بالكامل، وتهجير أهلها، تحت التهديد والاعتقال ومصادرة الممتلكات، كبقية الأحياء الفلسطينية التي هُودّت عام 1967، وهي: الحي اليوناني، وحي الألمانية، والتكفورية، والوعرية، والبقعة الفوقا، والبقعة التحتا، والدجانية، والنمامرة، وأخيرًا محاولات الاحتلال للسيطرة على حي الشيخ جراح، وجبل صبيح، وقرية بيتا، وأحياء أخرى ترزح تحت عدوان التهديد والتهجير والهدم.
إن إحراق المسجد الأقصى يمثل للأمة جمعاء نقطة تحول ومرتكزًا رئيسًا للبحث عن كل الوسائل والسبل التي تحمي المسجد الأقصى ومدينة القدس من مخططات الاحتلال، التي كان آخرها نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس، وأن تكون المدينة عاصمة دولة الكيان المجرم، كذلك توقيع اتفاق أوسلو الذي سبق الخطط الأمريكية المستجدة، وتوقيع منظمة التحرير التنازلَ عن 78% من أرض فلسطين التاريخية، والقبول بمبدأ الأرض مقابل السلام، وهو ما أوقع قيادة السلطة الفلسطينية في إشكالية إدارة الحكم، وفشلها في أن تكون حكومة تحقق للفلسطينيين حريتهم واستقلالهم واستعادة أرضهم المغتصبة، وتحولها نحو تنفيذ برامج وخطط أمنية تدعم حكومة الاحتلال، للحفاظ على وجودها المتفرد بالقرار الفلسطيني، الذي أصبح يشكل تهديدًا لمدينة القدس وللقضية الفلسطينية.
من هنا ينبغي لنا نحن الفلسطينيين أصحاب الحق والأرض والهوية، أن نحافظ على المعادلة التي فرضت بالحديد والنار، وأن نستثمر كل نتائج معركة سيف القدس، التي رسمت الطريق، وخارطة الوطن، بالدم والصمود، وتمسك أبناء شعبنا بخيار المقاومة، الخيار الوحيد الذي يحرر الإنسان، ويحرر العقل من الفكر المنغلق، ويحرر الأرض من براثن الاحتلال، وأن تكون القدس قلب الصراع، وأيقونة المقاومة والتحرير.