يستقبل المسلمون في العالم شهر الصيام بطريقة خاصة واحتفالية تليق ببركته وخيراته، ولكن ماذا بشأن بعض المناطق التي تغرق في الويلات، والتي يتم فيها القتل واستباحة الأعراض جهارًا نهارًا على مسمع ومرأى من العالم أجمع؟
وصل الإسلام لبورما أو ما يسمى الآن بميانمار الواقعة جنوب شرق آسيا، من خلال التجار الذين كانوا يقومون بالدعوة للإسلام إلى جانب تجارتهم في كل مكان يصلون إليه في العصر العباسي الأول. تصل نسبة المسلمين في ميانمار إلى 20% من مجموع السكان، وبعد وقوع بورما تحت الانتداب البريطاني وتدني الأوضاع المعيشية فيها بدأت تظهر صراعات عرقية، قام بها الهنود البوذيون ضد المسلمين في بورما، وأخذت تمارس بحق المسلمين ممارسات عنصرية وتمييزًا واضطهادًا. وبعد استقلال بورما عام 1948 فشل المسلمون في إنشاء دولة مستقلة بولاية أراكان وهكذا تحولوا إلى أقلية مضطهدة بين أكثرية بوذية وحكومات غير محايدة، وزادت أعمال القمع تجاههم بعد استيلاء الشيوعيين على السلطة عام 1962 والتي طبقت خططًا مدروسة لتهجيرهم أو تذويبهم في المجتمع البوذي.
فما بين إحراق المساجد وتدمير البيوت، والمجازر الجمعية، والتشريد والاغتصاب لمسلمي الروهينغا، أصبح الفقر وانعدام الأمن والحرية هي السمة الأبرز لحياة المسلمين في ميانمار، أحالت حياة مسلمي الروهينغا إلى جحيم متواصل، رغم تجاهل العالم لما يجري بحق المسلمين في هذا البلد الذي لا يعترف أصلًا بأن هناك ممارسات عنصرية وحرب تطهير عرقي تمارس ضد المسلمين فيها.. ولكن مسلمي بورما ثبتوا على دينهم حتى وإن كانت الإبادة هي نهاية لمأساتهم.
يستقبل الروهينغا رمضان بالفقر والجوع والخوف والتشريد والإبادة والتضييق المتواصل عليهم في جميع أمورهم ومعايشهم، فلا توجد عادات أو حتى مظاهر للاحتفال برمضان، ناهيك عن أن معظم الأسر هناك منكوبة، فلا يكاد بيت يخلو من معتقل أو قتيل أو غريق في البحر أو مخطوف لدى تجار البشر، عدا عن أنهم معرضون طوال الوقت لعمليات القتل والطرد من ديارهم في ظل صمت الشعوب الإسلامية الأخرى.
ومن يتابع أوضاع مسلمي بورما يتعرف إلى الكثير من القصص المروعة عن الاضطهاد الذي يلاقونه. وفي كل مرة يندلع فيها الصراع تستغله الحكومة البورمية لتنزع المسلمين من أراضيهم وتحوّلهم إلى مشردين حيث تم تهجير مليون ونصف المليون مسلم إلى بلدان عديدة في فترات مختلفة. وتكون حياتهم داخل مخيمات اللجوء قائمة على الإغاثات الإنسانية.
في بورما تكون الأسواق وأماكن العمل خالية في رمضان، فالجميع متفرغ للعبادة، حيث ينام الناس بعد صلاة التراويح مباشرة ولا يسهرون الليل، ويستيقظون وقت السحور، ويواصلون أعمالهم بعد الفجر. وتمنع السلطات إقامة صلاة التراويح في المساجد، وأيضًا تمنع إقامة الصلوات أو حتى الحلقات العلمية التي اعتاد الأئمة إقامتها في الشهر الفضيل، لتعليم الناس شعائر دينهم، ويعانون كثيرًا في توفير المستلزمات الرمضانية، من السلع الضرورية، والمواد الغذائية، وذلك لعدم توفرها في الأسواق، ولامتناع الباعة البوذيين من بيع المسلمين إلا بأثمان باهظة وبطرق سرية. وإن أكثر طعام أهل أراكان في رمضان يكون من الأرز المطبوخ بطرق عدة، وتعد الشعيرية الوجبة المفضلة للأطفال عند الإفطار، كما أن حبوب الحمص لها حضور قوي في المائدة الرمضانية إن كانت هناك موائد أصلًا.
وما أحوج هؤلاء لدعوة مستجابة من صائم ليخفف الله كروبهم وهمومهم وينصرهم على أعداء الإسلام.