عندما تجاوزت عقارب الساعة الرابعة فجراً، تسللت قوة إسرائيلية خاصة "مستعربون" إلى قلب مخيم جنين بالضفة الغربية، تحمل معها الحقد تجاه الفلسطينيين، وتنوي اعتقال شبان منها، في اللحظة ذاتها كان أربعة شبان يوجدون في المكان.
على حين غفلة، وحينما كان الشاب رائد أبو سيف ابن الحادي وعشرين ربيعاً، عائداً من عمله "مقدم وجبات طعام" في إحدى مطاعم جنين، إذ بقوة المستعمرين تفتح نيرانها بكل عنجهية صوبه "بلا رحمة".
كـ "زخات المطر" انهالت رصاصات المستعربين تجاه "أبو سيف"، حتى اخترقت إحداها الكلى، وأخرى الكتف، ارتقى في إثرها شهيداً على الفور، وصعدت روحه إلى بارئها، كما يروي والده زياد أبو سيف.
يقول والد الشهيد لصحيفة "فلسطين": "كان من الواضح أن المستعربين لديهم نية قتل شبان، لكونهم كانوا يحملون أسلحة ثقيلة".
تتلعثم الكلمات في حنجرة الوالد المكلوم على استشهاد فلذة كبده، لكنّه يتعالى على جراحه قائلاً: "الله يرحمه ويتقبله، روح رائد رخيصة فداءً لفلسطين (...) لله ما أعطى ولله ما أخذ".
وأخذ يستعرض مناقب ابنه "رائد"، الذي قال فيه إنه "طيب الخلق ومُطيع لوالديه وإخوانه، ومحبوب لكل من تعامل معه".
واستيقظ مخيم جنين على جريمة مكتملة الأركان، حينما قطع صوت آذان الفجر صوت رصاص الاشتباكات بين الشبان والمستعربين، ثم تلاها أصوات سيارات الإسعاف في المكان.
وقدم مخيم جنين أربعة شهداء وهم: نور الدين عبد الإله محمد جرار (19 عاما)، ورائد زياد عبد اللطيف أبو سيف (21 عاماً) من مدينة جنين، وأمجد إياد عزمي حسينية (20 عاماً)، وصالح أحمد محمود عمار (19 عاماً) من مخيم جنين.
أما الشهيد نور الدين جرار، فكانت له حكاية أخرى في تلك الجريمة، فعندما علِم بدخول مستعربين إلى مدينته "جنين" حمل روحه على كفه وأخذ على عاتقه الدفاع عنها.
امتشق "جرار" سلاحًا وراح يشتبك مع القوّة الإسرائيلية، ففي خضم تلك المعركة أطلق أحد عناصرها رصاصة استقرت في قدمه، حسب ما يروي خاله عدنان فرحات لصحيفة "فلسطين".
رغم الألم الذي اجتاحه فإنه لم يستسلم، فقد ذهب يختبئ أسفل أحد العمارات السكنية القريبة في منطقة الاشتباكات، إذ بقوّة أخرى محصنة داخل تلك العمارات، تطلق رصاصاتها فوراً صوبه، فأردته شهيداً.
يحكي فرحات، أن الرصاصات من نوع "250" اخترقت أجزاء متعددة من جسد "نور الدين"، كان أبرزها في منطقة الرأس.
ويروي فرحات أن "نور الدين" كان يتمنى الشهادة، "حتى أننا كنا نشعر في آخر سنوات، أن نور ضيف عند عائلته (...) كان حسن الخلق وذا قلب طيب ويحبه كل من يتعامل معه".
وعبّر عن أمله ألا تذهب دماء "نور الدين" هدراً، راجياً من الله أن يتقبله من الشهداء والصديقين بإذن الله.
ويُحرّض جيش الاحتلال منذ عدة أسابيع على مدينة جنين ومخيمها، بذريعة استمرار شبانها في التصدي لقواته، خاصة خلال اقتحاماته المتكررة للمدينة والمخيم، التي باتت شبه يومية منذ أيار المنصرم.
وقبل ثلاثة أيام كتب الخبير في الشؤون العسكرية؛ ألون بن دافيد؛ في مقال له في صحيفة "معاريف" العبرية، أن "ساحة الحرب الوحيدة في الضفة الغربية توجد حتى اليوم في جنين".
وقدمت محافظة جنين عشرة شهداء منذ بداية العام الجاري (2021)، ستة منهم ارتقوا منذ بداية شهر أغسطس/ آب الجاري.