لم يعد سرًّا أن السياسة الشرق أوسطية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي جو بايدن تثير قلقًا إسرائيليًّا، لأكثر من سبب، داخلي وخارجي، في ضوء النفوذ الذي يبديه "التقدميون" في الحزب الديمقراطي، الذين لا يعترفون بمدى مساهمة (إسرائيل) في دور الولايات المتحدة، بما يتجاوز حجم المساهمة الأجنبية من المساعدات المالية والأمنية.
مع العلم أن سياسة بايدن تعطي إشارات إسرائيلية متلاحقة بأن الولايات المتحدة بصدد الانفصال عن الشرق الأوسط، وتقليص مشاركتها في المنطقة، لكن اللافت أن الشرق الأوسط ذاته لا ينوي تقليص وجود الولايات المتحدة، مع أن إيران والحركات الإسلامية ترى الولايات المتحدة عقبة هائلة في طريقها إلى تحقيق هدفها الضخم بنشر الإسلام في العالم.
يزعم الإسرائيليون أن سياسة واشنطن لا تنسجم مع السياسات العالمية، فالانفصال ليس خيارًا في القرية الكونية الصغيرة، التي تضم دولًا ومنظمات في المنطقة تشكل مركزًا إقليميًّا ودوليًّا لتوزيع العنف والجيوش غير التقليدية، ويمتد نشاطها من شرق آسيا عبر إفريقيا وأوروبا إلى الأمريكيتين، وفيهما الولايات المتحدة، وكلما قلصت الأخيرة وجودها العسكري في الشرق الأوسط، اقتربت المواجهة مع المنظمات المعادية داخل الأراضي الأمريكية، وفق الرؤية الإسرائيلية.
يستند القلق الإسرائيلي من سياسة بايدن في الشرق الأوسط إلى كون من يديرها كبار مستشاريه للأمن القومي والسياسة الخارجية، وأبرزهم وزير الخارجية أنطوني بلينكين مستشار بايدن سابقًا، عندما كان رئيسًا للجنة المساعدة في مجلس الشيوخ للشؤون الخارجية، وتأثيره على الرئيس مشابه لتأثير وزير الخارجية جيمس بيكر الذي شكل سياسة الرئيس جورج بوش الخارجية والأمنية.
ومن كبار أعضاء فريق بايدن مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، ورئيس المخابرات المركزية (CIA) وليام بيرنز، ومدير المخابرات أفريل هاينز، وقد لعب أعضاء هذا الفريق دورًا رئيسًا في تشكيل سياسات الرئيس السابق باراك أوباما، وفي 2015 شاركوا في إنضاج الصفقة النووية مع إيران، وغازلوها، وأداروا ظهورهم للأنظمة الموالية لأمريكا في السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين.
تزعم الأوساط الإسرائيلية أن هذه السياسة الأمريكية في حينه شكلت تهديدًا وجوديًّا للأنظمة العربية الموالية لها، وقوضت مصداقية الولايات المتحدة في أعينها، وجعلتها أقرب لأحضان روسيا والصين.
أضف إلى ذلك تراقب (إسرائيل) اليوم تصميم بايدن على العودة للاتفاق النووي 2015 بتعيين روبرت مالي مبعوثًا خاصًّا له للشؤون الإيرانية، وهو الشخصية الرئيسة في تشكيل الاتفاق النووي، ولديه قنوات اتصال نشطة مع إيران وحزب الله وحماس والسلطة الفلسطينية، وصديق شخصي لـ"بلينكين" منذ مدة طويلة، والاثنان يخففان من تورط إيران العسكري في الحرب اليمنية، بل يضغطان على السعودية لإنهاء تورطها في تلك الحرب.