شيء من التناقض تشعر به عندما تتابع التغطية الإعلامية للفعاليات والالتحام الشبابي مع الاحتلال على طول حدود غزة الشرقية منذ عدة أسابيع، حيث تصدح مكبرات الصوت بأغاني المقاومة القديمة، منها على وجه الخصوص ما تبثه في النفس من عزة وصمود ورغبة مستمرة في التحدي مهما كانت المخاطر ومهما تضاعف الحصار، في مقابل ما يقوله المراسلون في تغطياتهم الإعلامية والمسببات التي تدعو الشباب للحشد عند الحدود.
يغلب على تلك التغطية تعداد أوجه الحصار وسنواته، وما خلفه من مآسٍ لا ينكرها أحد على واقع قطاع غزة بكافة فئاته وعلى الجيل الذي نشأ في ظل الحصار على وجه الخصوص، سواء كانوا من الشباب الذين يعانون البطالة أو من الأطفال الذين لم يعرفوا مكانا غير مساحة القطاع بحدوده الضيقة وما جرى عليه من عدوان يتبعه عدوان.
نعم ذلك حق، ونعيشه يوما بعد يوم، نتأثر فيه في جوانب حياتنا المختلفة صحيا وتعليميا واقتصاديا واجتماعيا، ولكن، هل أصبحنا نقول إن الشباب يذهب للمواجهات لأنه فقد الأمل في الحياة؟ أو لأنه يعيش بطالة لا أفق لانتهائها! وهل من حاصرنا ومن سكت على حصارنا سيتأثر إن فقدنا أحد أو بعض الشباب "بالموت السريع" على الحدود، إن لم يتأثر بموتنا البطيء على مدار عشر سنوات وأكثر من ثلاث حروب؟
أظن أن الخطاب الإعلامي لنا يجب أن يكون تماما كما هو على أرض الواقع وما رأيناه من التحام الأجيال المختلفة على تلك الحدود، بدءا من الأطفال الصغار في مراحل الابتدائية، مرورا بالشباب حتى وجدنا الشيوخ الذين يحاولون استعادة ذكرياتهم في بلداتهم وقراهم ومشاهد النكبة التي لم تمت أبدا في عقولهم وإن ماتت ودفنت في عقول الساسة من قادة السلطة في رام الله.
يجب أن تكون المقاومة الشعبية دوما بذات العز الذي لمسناه وعشناه فخرا في كل صاروخ ينطلق نحو أراضينا المحتلة، بذات الشعور الذي شعرناه عندما أوقف القسام العالم على قدم وساق عند الساعة التاسعة في أحد أيام العدوان الأخير صيف 2014.
وبذات الشعور الذي كان الاستشهاديون يذهبون به قبل سنوات وهم الذين لم ينقص عليهم مال ولا جاه، ولكن حب الأرض وفي سبيل الله، ورغبة في الحرية والانعتاق من ذل الاحتلال الذي لا يمكن أبدا معادلته بأي حياة مهما كانت في رغد.
نعم لا يجب أن نسكت على الحصار، ولا على القتل المستمر لنقص الدواء والغذاء والعمل، ولكن اجعلوا خطابنا عزيزا، لا تهبطوا بنا ولا تحاولوا استعطاف أحد، فلا أحد يشفق على الضعفاء. قاوموا بعز، بكل الأشكال التي تريدون، ولكن بذات النغمة والنشيد "شدد شدد حصارك، ولع بالأرض نارك، هذي أرضي مش دارك، يا محتل ارحل عنا، شعبي صامد ما بيركع".