مريم فتاة مهذبة وواعية، في مثل سنكم تقريبًا، نجحت منذ عام في صيام شهر رمضان كاملًا، بعدما كانت تصوم جزءًا وتفطر جزءًا، فقد تدربت جيدًا، واستطاعت أن تتقن الصوم كما أراد الله (تعالى) لنا، وتحافظ خلال ذلك على قراءة القرآن دونما كسل أو تأخير، أما نضال فلا يزال صغيرًا بعض الشيء، يصوم مثل العصافير، وأيضًا يأكل مثل العصافير، يتحرك هنا وهناك، يتنقل من مكان إلى آخر، ويملأ البيت انشراحًا كأنه يزقزق.
تقرأ مريم كثيرًا، فهي تدرك أن رمضان شهر القرآن، وأنه أيضًا شهر التغيير، ومن أهدافه الأساسية "تحقيق التقوى"، كما قال الله (تعالى) في آيات الصيام: "يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون"، ولا تغيير دون وعي ومعرفة، أن يعرف الإنسان الطريق الصحيح فيتابع نفسه أيسير عليه أم هو مخطئ، ثم كيف يسير عليه سيرًا صحيحًا لا تشديد فيه ولا تساهل.
لكنها كلما حاولت أن تقرأ أكثر كان نضال يسرح حولها ويمرح، يزعجها بعض الوقت، ويتركها وقتًا آخر في انشغاله باللعب هنا وهناك، ولأنها تحبه قررت أن تجعل شهر الصيام والتغيير شهرًا لتقترب منه أكثر، وتعرفه أكثر إلى كل ما تتعرف هي إليه وتقرؤه من معلومات وقصص مفيدة، بدلًا من تضييع الوقت في أمور لا تضر ولا تنفع.
ولأن رمضان ليس شهر الكسل والنوم كما يظن كثير من الناس؛ اتفقا على أن يساعدا أمهما في أمور المنزل، ولا يكثرا من الطلبات كي يكون لها وقت هي كذلك لتقرأ القرآن وتتعبد الله بجهد معقول، دون أن تستهلك طاقتها في المطبخ طول النهار، أو إعادة ترتيب المنزل بعد الفوضى التي تحدث فيه دائمًا دون انقطاع.
وأن يختارا بعد ذلك الوقت المناسب ليجلسا معا، تقرأ مريم، ويستمع لها نضال، تشرح له الكثير من القصص والأحداث التي أراد الله (تعالى) أن يقصها علينا في القرآن، كي نأخذ منها عبرة ومنهجًا في حياتنا، وهنا بدأ نضال أول أسئلته: "لم يجب علي أن أستمع لما في القرآن؟، يمكننا أن نكتفي بالقصص التي في أفلام (الكارتون)، وهي جميلة ومسلية".
ضحكت مريم لقوله وأجابته: "أنا كذلك أحب أفلام (الكارتون)، لكن لابد من معرفة ما ورد في القرآن من قصص، وأحكام، هل رأيت كيف عندما نشتري لعبة (بازل) نقرأ أولًا دليل الإرشادات كي نهتدي إلى ترتيبها ترتيبًا صحيحًا؟"، فأجاب متحمسًا: "نعم"، فأكملت قائلة: "وكذلك القرآن الكريم، فحياتنا لعبة (بازل) كبيرة، كل يوم صورة مختلفة، ومتناثرة، إن لم نقرأ دليل الإرشادات لنا قد نركبها بطريقة خطأ، فتتكون لدينا حياة معاندة، لا تسير وفق طريق منتظم، ولا يمكن ليوم أن يوصلنا إلى اليوم الآخر بسلام".
ولكن بالقرآن نعرف ماذا يريد الله منا، وما الهدف من حياتنا، وكيف نصنع لأيامنا معنى، وهكذا اتفقا، أن يجعلا هذا الشهر شهرًا يقتربان فيه أكثر من الله ويطبقان معًا ما يستطيعان وما يمكنهما فهمه من الآيات, فتابعوهما.