من الواضح أن انتصار المقاومة في معركة سيف القدس لم يوجع الاحتلال فقط بل أوجع أعوانه والمنسقين معه والذين يعيشون تحت بساطيره، فقد أظهر تقرير حديث أعدته مجموعة محامون من أجل العدالة أن الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة نفذت أكثر من 100 حالة اعتقال سياسي منذ انتهاء العدوان الإسرائيلي على غزة، توَّجتها باغتيال المعارض نزار بنات.
هذه الاعتقالات والاعتداءات المستمرة -حتى كتابة هذه السطور- التي ترتكبها تلك الأجهزة لها إشارة واضحة ووحيدة وهي أن السلطة وقيادتها تعيش حالة من التخبط والشعور بأنها اقتربت من نهايتها المحتومة، فتحاول جاهدة أن تطيل عمرها بالجرائم التي أوصلت حالة حقوق الإنسان في الضفة الغربية المحتلة إلى منحدر خطِر هو الأسوأ منذ سنوات.
ولأن نهايتها قد اقتربت نتيجة تلك الجرائم، فقد استنجدت الإدارة الأمريكية بدولة الاحتلال لتفادي الأمر نظرا لوضع السلطة الخطِر، وطلبت منها مساعدتها حتى تستطيع أداء واجبها الأمني في حماية وجود (إسرائيل).
وعليه، فقد انهالت الاتصالات من كل حدب وصوب في دولة الاحتلال على رئيس السلطة بدءًا من رئيس الكيان ووزير الحرب ووزير الأمن وغيرهم من القيادات العسكرية والأمنية والسياسية الإسرائيلية، اتصالات ظاهرها التهنئة بعيد الأضحى -وكأنهم أصحاب واجب- وباطنها مؤامرات جديدة على قضية الشعب الفلسطيني، بدليل أن مكتب غانتس وصف تلك الاتصالات بأنها "كانت إيجابية"، وأنها تعزز خطوات بناء الثقة بين (إسرائيل) والسلطة الفلسطينية.
ولو نظرنا بعين المقارنة بين سلوك السلطة تجاه الفلسطينيين والاحتلال الإسرائيلي، لوجدنا أنها أقرب بالود والمحبة للاحتلال وأقرب بالبلطجة والقتل والاعتداءات والجرائم للفلسطينيين، وليس أدل على ذلك سوى قمع المظاهرات المستمرة التي تنادي بمحاكمة قتلة الناشط نزار بنات.
وفي آخر جريمة ضجت لها مدينة طولكرم، فقد قُتل عكرمة مهنا المستشار العسكري والذي عمل مدعيًا عامًا سابقًا، بإطلاق النار على رأسه في بيته وفي وضح النهار، وتشير أصابع الاتهام مجددًا نحو الأجهزة الأمنية، لوجود عدة قرائن توحي بذلك.
أولى هذه القرائن هي أن مهنا كان عضوًا في لجنة تحقيق بقضية زراعة كاميرات سرية في مؤسسة رسمية داخل حمامات الموظفات النساء قبل سنوات، قبل أن يُقال منها بعد كشفه خيوط توصل إلى قيادات وازنة في السلطة.
القرينة الثانية هي آخر ما كتبه المستشار المغدور على صفحته مهنئًا بالعيد: "لكل من يستحق وشريف ولكل غيور على وطنه أضحى مبارك وكل عام وأنتم بخير"، في إشارة مبطنة إلى أنه يعرف كثيرًا من الذين ليس لديهم غيرة على الوطن والذين لا يستحقون التهنئة بالعيد، بحكم موقعه الحساس المطلع على القضايا السرية بين أروقة السلطة، فكانت الرصاصات عاجلة من أولئك الخونة.
القرينة الثالثة هي أن محافظ طولكرم عصام أبو بكر أعلن أن جهاز الأمن الوقائي تمكن- منذ اليوم الأول- من إلقاء القبض على المتهم الرئيس بقتل مهنا، واعترف بارتكاب الجريمة، وسيقدم للنيابة العامة لاستكمال الإجراءات القانونية، دون الكشف عن هويته أو دوافع ارتكاب الجريمة، وهذه طريقة قديمة تلجأ إليها الأنظمة المتسلطة لاغتيال معارضيها دون إثارة الشبهات نحوها، فيقتلون من يشاؤون ويجهّزون أحدًا ليعترف بالجريمة.
القرينة الرابعة أن المغدور عكرمة مهنا معروف بأمانته وإخلاصه وصدقه في العمل وانتمائه لوطنه، بشهادة المقربين والناس حوله، وهذا دليل كافٍ لتغتاله أجهزة السلطة!