فلسطين أون لاين

مستقبل السلطة الفلسطينية

بعد اغتيال الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة الناشطَ نزار بنات، وما تلاه من تداعيات تمثلت بمزيد من القمع والاعتقال السياسي للرافضين لهذه الجريمةَ النكراء، والشعارات التي رافقت هذه المسيرات، لا سيما شعار "ارحل يا عباس"، يدفعنا لطرح سؤال: ما مستقبل السلطة الفلسطينية؟

صحيح أن القمع وانتهاك حرية الرأي والتعبير يساهم على المدى البعيد في تآكل شرعية السلطة دولياً، لكن لو تأملنا قليلاً بمنطق السياسي المحترف، فإن هدف حماية (إسرائيل) وأمنها للعالم مقدم على كل شيء، وعليه قد يتجاوز العالم كل عورات السلطة ما دامت محافظة على دورها الوظيفي في المحافظة على الأمن والاستقرار بالمنطقة.

على الرغم من ذلك فإن البعض نظر إلى المسيرات والاحتجاجات أنها تشكل مدخلاً لإنهاء السلطة الفلسطينية وسيناريو التخلص من السلطة يطرح الخيارات البديلة الآتية:

الأول: ولادة البديل عن فتح، قائدا للسلطة الفلسطينية، وشريكا رئيسا، بغض النظر عن هوية البديل حماس أو غيرها.

الثاني: العودة إلى ما مرحلة ما قبل السلطة، أي إعادة المسؤولية للاحتلال الصهيوني.

الثالث: الفراغ وسيناريو الفوضى.

وقد يطرح البعض الخيار "الحالم" المتمثل في الذهاب نحو عملية ديمقراطية تفرز قيادة جديدة للشعب الفلسطيني، وأقول "الحالم" لأن:

1. أي قيادة منتخبة لا يمكن أن تقبل بالتزامات السلطة، لاسيما الأمنية والاقتصادية، وعليه فإن فرص انهيار السلطة ستكون أعلى بكثير من بقائها.

2. خروج فتح من خلال ثورة شعبية سيجعل منها تحدياً كبيراً أمام بناء نظام سياسي ديمقراطي تعددي، لحجم فتح ومكانتها وقدرتها على التأثير، لكونها تمتلك عناصر قوة لا يمكن تجاوزها.

بعد أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية على اتفاق أوسلو، وبموجبه أُنشئت السلطة الفلسطينية، نشأت مع السلطة الفلسطينية جماعات مصالح مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالسلطة ومؤسساتها من خلال خلق مؤسسات وأجهزة دولانية (وزارات وهيئات وأجهزة أمن وغير ذلك)، وبنى اقتصادية واجتماعية مختلفة، إضافة إلى أن مشروع السلطة الفلسطينية استثمر فيه الغرب مليارات الدولارات وليس من السهل السماح بانهياره، وما يفسر ذلك حجم تدفق الأموال في الأيام الأخيرة وسلسلة الاتصالات بقياداتها من أطراف إسرائيلية وإقليمية ودولية وبالرئيس عباس وحكومته.

لا حل للأزمة الفلسطينية الداخلية إلا بالسيناريو الحالِم، الذي أصبح حلم كل فلسطيني، المتمثل في ترتيب البيت الفلسطيني ليس من أعلى إلى أسفل (رؤية حماس)، ولا من أسفل إلى أعلى (رؤية فتح)، بل من كل الاتجاهات، فالحالة الوطنية بحاجة ماسة إلى ثورة تحول ديمقراطي تبدأ من الأحزاب والنقابات والهيئات، وصولاً إلى المؤسسات السياسية كلها من خلال عملية ديمقراطية تنجز بأسرع وقت ممكن، أما التعويل على إسقاط حكم فتح بالضفة أو حكم حماس في غزة فقد بات من المستحيل؛ لأن البدائل مخيفة وخطرة وتهدد السلم المجتمعي، وعليه ينبغي أن ينصب العمل ليس على "ارحل يا عباس"، بل على "الشعب يطالب بالانتخابات"، وهذا المطلب حق دستوري لا يمكن أن يختلف عليه اثنان، ويجنبنا أتون الصراعات والفتن التي ستأتي على شعبنا بالويلات.