لاقت تصريحات محمود العالول نائب رئيس حركة فتح التي أدلى بها في تظاهرة مؤيدة لأبي مازن استهجانًا شديدًا حتى في بعض أوساط حركة فتح، حينما أطلق تهديدًا واضحًا للنشطاء المشاركين في التظاهرات المطالبة بالقصاص من قتلة الشهيد نزار بنات، وذلك حينما قال: "لا تستفزوا فتح".
لقد كانت صدمة لكل شرائح المجتمع الفلسطيني، الذي لم نعلم أن أحدًا منهم لم يندد ويطالب بمعاقبة المجرمين الذين قتلوا الشهيد نزار بهذه الوحشية، التي تنم عن عقلية سادية في التعامل مع المعارضين، وهذا الموقف المندد اتخذه كثير من أبناء فتح أنفسهم وقد دفعوا ثمن موقفهم هذا بعزلهم وإقصائهم كما حدث مع دكتور إيهاب بسيسو وزير الثقافة السابق، وهذا موقف مشرف يحسب له.
وعلى الرغم من أن العديد من قيادات فتح صمتت عن إدانة الحدث فإنني أعتقد أن من صمتوا لم يكُن صمتهم موافقة على ما حدث خلافًا للمثل القائل "إن الصمت علامة الرضا"، بل أظن الصمت في هذا المقام كان علامة الخوف من أن يلقى من يتحدث مصير إيهاب بسيسو.
كان الأجدر بالعالول أن ينأى بنفسه عن هذا الحدث المشين الذي لا ترضاه النفس البشرية السوية، بل كان على العالول أن يدين الحدث ويطالب بمحاسبة كل من تجرأ بهذه الوقاحة والوحشية على الدم الفلسطيني، وذلك أكرم وأشرف لفتح لو علم العالول، ولكن يبدو أن الرجل قد غلبه غضبه فجعل من فتح المتهم الذي يتظاهر ضده النشطاء، على الرغم من أن أحدًا من المتظاهرين لم يأتِ على سيرة فتح من قريب أو من بعيد، ولكن انصب جام غضب المتظاهرين على الأجهزة الأمنية وقيادتها الفاسدة التي أمرت بارتكاب هذه الجريمة، صحيح أن قيادات هذه الأجهزة من فتح ولكن ذلك لا يعني أن فتح كتنظيم هي من اتخذت القرار، بل إنني أزعم أن تنظيم فتح مغيب عن قيادة العمل الحكومي، على الرغم من أن رئيس وزراء الحكومة عضو لجنة مركزية في حركة فتح، ولكنه لا يملك من أمره شيئًا.
ذلك أن السلطة وكما أصبح معروفًا لعموم أبناء الشعب الفلسطيني، تديرها مجموعة صغيرة فاسدة تحيط بالرئيس عباس إحاطة السوار بالمعصم، وهي التي تتحكم في مسار الأحداث، وتتخذ من الرئيس عباس البالغ من العمر 87 عامًا وغير القادر -حسب ظني- على التركيز أو السيطرة على مقاليد الحكم، غطاءً لأجندتها المرتبطة بأجندة الاحتلال ارتباطًا وظيفيًّا نفعيًّا، وذلك حسب ما ذكرته في مقال سابق وسميته "الظاهرة البوتفليقية"، وقد أصبحت هذه الفئة محط اهتمام وتركيز الاحتلال، فسخر طاقته للمحافظة على وجودها وتهيئة الظروف لاستمرارها في التحكم بالقرار الفلسطيني لأطول مدة ممكنة، وبذلك أصبحت العلاقة بين هذه الفئة والاحتلال علاقة تبادلية يؤدي كل منهما خدمات للآخر، ولذلك حينما كان موقف الاحتلال مثلًا رفض إجراء الانتخابات الفلسطينية خشية فوز حركة حماس فيها، أفشلت هذه الفئة الانتخابات بزعم أن الاحتلال يرفض إجراءها في القدس، وحينما تظاهر أهل الضفة نصرة لأهل القدس قمعت أجهزة أمن السلطة التي تقاد من هذه الفئة تلك التظاهرات بكل قسوة!
ومحمود العالول حينما صرح تصريحه هذا كشف أنه من هذه الفئة التي تمثل الأجهزة الأمنية، تلك الأجهزة التي تجرى التظاهرات ضدها، ولكنه استخدام اسم فتح ليضع فتح بكل حماقة في مواجهة الشعب الفلسطيني، بل ليضع فتح في مواجهة فتح نفسها، لأن السلطة الحالية بكل تأكيد هي ليست فتح ولا تمت لفتح وتاريخها النضالي بصلة.
إذًا فإن معضلة الشعب الفلسطيني تتمثل في كيفية التخلص من هذه الفئة التي تدعي أنها تعمل من أجل فلسطين لتستر عُري علاقتها مع الاحتلال بالرداء الوطني، وفي ذات الوقت تسخر أجهزتها الأمنية لقتل الروح الوطنية في نفوس أهلنا في الضفة الغربية والقدس بدعوى الحفاظ على "المشروع الوطني" المحمي إسرائيليًّا، وذلك وقفًا لتقرير الأمن الصهيوني الذي عبر عن خشيته من أن تؤدي الاحتجاجات الأخيرة على قتل الشهيد نزار بنات من إسقاط أبي مازن، ولذلك يجب العمل على حماية سلطته من المعارضة، وهذا يعني بوضوح أن السلطة القائمة الآن وبشكلها الحالي في رام الله هي مشروع إسرائيلي يجب المحافظة عليه وفقًا للاستخبارات الإسرائيلية.
أظن أن المطلوب الآن وأساسًا من أبناء فتح أنفسهم أن ينتفضوا للدفاع عن حركة فتح ضد هذه الفئة التي أهدرت قيمها وضيعت تاريخها وجعلت منها مطية لتمرير مخططات العدو، وليكونوا في مقدمة المحتجين ولا يكتفوا بالصمت أو بالتغريدات في أحسن الأحوال، وذلك حتى لا يفلح مخطط وضع فتح في مواجهة الشعب الفلسطيني.