قبل أيام معدودات، ظهر الفشل الأخلاقي والقانوني المزمن للأمم المتحدة، الذي رفض إدراج الدولة الصهيونية على القائمة السوداء التي تضم منتهكي حقوق الأطفال في زمن النزاعات المسلحة، وهي الخطوة الأولى لتحقيق المساءلة والعدالة للأطفال الفلسطينيين، فحرمان الأطفال الفلسطينيين من الحماية التي يحق لهم الحصول عليها بموجب القانون الدولي في مواجهة الجرائم الإسرائيلية المتكررة يقابله تمتع الدولة الصهيونية بالإفلات الكامل من العقاب، ما يشجعها على مواصلة جرائمها. وقد أقر الكنيست (البرلمان الإسرائيلي) في عام 2015 عدة قوانين تستهدف واقع ومستقبل الأطفال الفلسطينيين، وبما يسهل إجراءات اعتقالهم ومحاكمتهم وتغليظ العقوبات بحقهم مثل: قانون محاكمة الأطفال دون سن 14 عاماً، وقانون تشديد عقوبة الحد الأدنى على راشقي الحجارة في القدس.
الذاكرة الفلسطينية تعج بآلاف الأطفال الذين قتلتهم واعتقلتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي. فالطفل الفلسطيني لم يكن في يوم بمعزل عن مقارفات الاحتلال الإسرائيلي، بل كثيرا ما كان في مقدمة ضحاياها رغم الاتفاقيات والمعاهدات والمواثيق والقوانين الدولية التي تنص على حقوق الأطفال وفي مقدمتها «اتفاقية حقوق الطفل»، التي تنادي بحقوق الطفل وعلى رأسها حقه بالحياة والحرية والسلام.
مواصلة جيش الاحتلال استهداف الأطفال الفلسطينيين بشكل متعمد، تعد انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي والإنساني، وتعد جريمة حرب. فالاحتلال ينظر إلى اعتقالات الطفل الفلسطيني كوسيلة لإرهاب جيل كامل من التحدث علانية تمهيدا لسحق أرواحهم. فالاحتلال يرى ما رسخته الأحداث المواكبة لحي الشيخ جراح والعدوان على قطاع غزة وانتفاضة شباب وشابات مدن فلسطين 48، حيث أدرك الاحتلال فشل رهانه على كسر إرادة الأجيال الفلسطينية.
وبحسب ما وثقته «الحركة العالمية للدفاع عن الأطفال/ فرع فلسطين»، فقد اعتقلت سلطات الاحتلال منذ عام 1967 عشرات الآلاف من الأطفال الفلسطينيين. ومنذ انتفاضة الأقصى في عام 2000، اعتقل أكثر من 10 آلاف طفل بمعدل 700 طفل سنوياً.
وبحسب أحدث تقرير للحركة صدر نهاية أيار الماضي، فإن هؤلاء الأطفال يتعرضون لما يتعرض له الكبار من قسوة التعذيب والمحاكمات الجائرة، والمعاملة غير الإنسانية، التي تنتهك حقوقهم الأساسية، وتهدد مستقبلهم بالضياع، بما يخالف قواعد القانون الدولي و"اتفاقية الطفل».
ويضيف التقرير أن سلطات الاحتلال «تحرم الأطفال الأسرى الفلسطينيين من حق عدم التعرض للاعتقال العشوائي، والحق في معرفة سبب الاعتقال، والحق في الحصول على محامٍ، وحق الأسرة في معرفة سبب ومكان اعتقال الطفل، والحق في المثول أمام قاضٍ، والحق في الاعتراض على التهمة والطعن بها، والحق في الاتصال بالعالم الخارجي، والحق في معاملة إنسانية تحفظ كرامة الطفل المعتقل». وبحسب «هيئة شؤون الأسرى والمحررين الفلسطينية» فقد «تم اعتقال نحو 543 طفلاً في 2020، في حين سُجل اعتقال نحو 230 طفلا منذ مطلع 2021 وحتى 4 نيسان يوم الطفل الفلسطيني، غالبيتهم من القدس، ولا يزال الاحتلال يحتجز نحو 140 طفلا».
الاحتلال ينظر إلى الطفل الفلسطيني كـ«مشروع مخرب»، وهو في معتقله يذوق أصناف العذاب والمعاملة القاسية والمهينة، التي تتضمن: الضرب، والحرمان من النوم، ومن الطعام، والتهديد والشتائم، والتحرش الجنسي، والحرمان من الزيارة، ويستخدم معهم أبشع الوسائل النفسية والبدنية؛ لانتزاع الاعترافات، والضغط عليهم لتجنيدهم للعمل لصالح المخابرات الإسرائيلية.
أطفال فلسطين هدف أساسي للدولة الصهيونية ولغاراتها واجتياحاتها العسكرية، وهي سياسة ثابتة منذ بدايات الاحتلال الإسرائيلي استمرت دون توقف طيلة العقود الطويلة الماضية، ورافقها كثير من الانتهاكات الجسيمة والجرائم الفظيعة، بهدف تشويه واقعهم وتدمير مستقبلهم والتأثير في توجهاتهم المستقبلية بصورة سلبية وخلق جيل مهزوز ومهزوم. وخلال السنوات الأخيرة تمادت سلطات الاحتلال في إمعانها وجرائمها بحق الأطفال الفلسطينيين، وخاصة أطفال القدس.