منذ ثلاث سنوات الدولة الصهيونية ترحل أزماتها من عام إلى آخر، وعلى رأسها الأزمة السياسية، ولقد تواكب عدم استقرار الحكم مع ثبات النهج والطرح اليميني المتطرف في سياق التوجه إلى انتخابات للبرلمان (الكنيست) هي الرابعة في غضون أقل من عامين، ويتفق العديد من المحللين السياسيين الإسرائيليين واستطلاعات الرأي، مع كثير من الرغائبية الواسعة، على أن الاختلاف بين الانتخابات المزمع إقامتها في آذار المقبل والجولات الثلاث السابقة أن زعيم حزب "ليكود" رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو لن يصل إلى الحكم مرة أخرى (وآخرها استطلاع "معاريف" قبل خمسة أيام).
الحكومة "الذاهبة" استمرت في تعميق الاحتلال وحصارها لقطاع غزة، وواصلت بنهم بناء آلاف الوحدات السكنية في المستعمرات (المستوطنات) بالأراضي المحتلة عام 1967م، وضمنها هضبة الجولان، وحصلت على دعم إدارة دونالد ترمب في هذا الاتجاه، الذي وصل ذروته بالاعتراف بالقدس عاصمة لـ(إسرائيل) ونقل السفارة الأمريكية إليها، و"صفقة القرن" التي تسوغ لضم 30% من مساحة الضفة الغربية إلى (إسرائيل)، وضمنها المستوطنات وغور الأردن، مع "نص" على إقامة دولة فلسطينية منقوصة ومقطعة الأوصال، وهو الأمر الذي أجمع الفلسطينيون على رفضه.
التنافس في الانتخابات القادمة سيكون بين أطياف اليمين على خلفية وحيدة هي معارضة استمرار قيادة نتنياهو المستمرة منذ أكثر من عقد، ووفقًا لصورة الكنيست المقبلة التي ترسمها الاستطلاعات ستكون الحكومة "القادمة" أكثر يمينية، مع تفضيل «الحريديم» الانضمام للحكومات للحصول على ميزانيات لمؤسساتهم من الخزينة العامة، ونقل ناخبي أحزاب اليمين تصويتهم إلى أحزاب داخل معسكر اليمين، فضلًا -وهذا هو الأخطر- عن تزايد قوة جدعون ساعر بعد انشقاقه عن "ليكود"، وحظوظه الكبيرة في تشكيل ائتلاف يستند إلى حزبي "ييش عتيد" برئاسة يائير لبيد وحزب "إسرائيل بيتا" برئاسة أفيغدور ليبرمان، اللذين يرفضان الانضمام إلى حكومة برئاسة نتنياهو.
حكومة كهذه ستكون يمينية أكثر من حكومات نتنياهو، أي أن اليمين واليمين المتطرف سيحكمان الدولة الصهيونية في المستقبل المنظور، وبحسب رأي الصحفي الإسرائيلي الجريء جدعون ليفي: "ما كانت تيارات عميقة خفية تحولت إلى واقع مكشوف: (إسرائيل) يمينية وقومية متطرفة، مع أيديولوجيا واحدة مسيطرة".
وفي السياق يقول الصحفي السياسي ناحوم برنياع: "أنهت أسوأ حكومات (إسرائيل) حياتها، لا فرح في هذه الجنازة، كما أنه لا آمال كبيرة في الحكومة التالية، صحيح أن مزيدًا من الإسرائيليين يعرفون أنفسهم يمينًا، ولكنهم لا يستوضحون لأنفسهم ما اليمين؛ فهم يتمسكون بالعلامة التجارية، بالاسم لا الأيديولوجيا، بينيت وساعر يفضلان الحديث عن خطايا نتنياهو، أو عن حلولهما لكورونا، وليس عن حلولهما لمسألة بلاد (إسرائيل)".
وفي سياق متمم يستخلص الصحفي الإسرائيلي تسفي برئيل: "هذه الانتخابات تعتمد على عدم ثقة مطلق بالطريقة وبالمترشحين، الخيار الذي سيعرض على الجمهور سيكون بين السيئين والأقل سوءًا، بين من يجب معاقبتهم بشدة أكثر ومن يجب معاقبتهم بشدة أقل، هذه الانتخابات هي انتخابات شخصية، لا توجد فيها أيديولوجيا، وهي خالية من الأحاديث الفارغة عن أفكار سامية".