لتكن العشر الأوائل من ذي الحجة بداية للإقلاع عن المعاصي والإقبال على الطاعات.
الحمد لله رب العالمين الذي فضّل بعض الشهور على بعض، ففضل رمضان على غيره من الشهور، وفضل بعض الأيام والليالي على بعض، ففضل يوم عرفة على غيره من الأيام، وفضّل ليلة القدر على غيرها من الليالي، والصلاة والسلام على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فضله ربنا على سائر الأنبياء فجعله سيد البشر وإمام الأنبياء صاحب الرسالة الخالدة والشاملة وابتعثه للناس جميعًا.. وبعد.
فإنه وبدخول شهر ذي الحجة تهل علينا أيام عظيمة مباركة أقسم الله عز وجل بها في كتابه فقال: "وَالْفَجْرِ (1) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (2)" في إشارة واضحة على عظيم فضل هذه الليالي، التي قال أكثر المفسرين إنها ليالي الأيام العشر الأولى من ذي الحجة، والتي هلت علينا وأقبلت بخيرها وعظيم أجرها، والتي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأنها: وفضلها: "ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام، فقال بعض أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: ولا الجهاد في سبيل الله؟! فقال ولا الجهاد في سبيل الله، إلا رجل خرج بماله ونفسه ولم يرجع من ذلك بشيء". وهذا الحديث صريح في دلالته على فضل هذه الأيام وفضل العمل الصالح فيها، وإن أجر الطاعات والأعمال الصالحات فيها عظيم وكبير يحبه الله ويثيب عليه بأجور مضاعفة.
ولذلك فإنه ينبغي على كل مسلم ذي لب حريص على الأجر والثواب حريص على أن يرتقي عند الله في الدرجات، أن يستثمر هذه الأيام في الأعمال الصالحات ويقلع عن الخطايا وفعل السيئات، فهي فرصة عظيمة لبدء صفحة جديدة مع الله وتوثيق الصلة به عز وجل، هي فرصة عظيمة لأن يراجع تصرفاته من الأقوال والأفعال لتكون متوافقة مع شريعة الله وتعاليم هذا الدين العظيم عساه أن يفوز بمرضاة الله وعفوه وجنته.
وقد أرشدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الطاعات التي ينبغي أن نكثر منها في هذه الأيام فقال: "ما من أيام أعظم عند الله ولا أحب إليه العمل فيها من أيام العشر من ذي الحجة، فأكثروا فيها من التسبيح والتكبير والتحميد والتهليل".
ولكن هذا لا يعني أن نقتصر على هذه الأمور فقط، فكل أنواع الطاعات والأعمال الصالحات مستحبة في هذه الأيام، ففي هذه الأيام يكون موعد أداء فريضة الحج، فيستحب للقادرين الذين توفرت لهم سبل الحج أن يقيموا هذه الفريضة.
وفي هذه الأيام يستحب الصيام، خاصة صيام يوم عرفة، اليوم التاسع في هذه الأيام، الذي قال رسول الله في فضل صيامه: "صيام يوم عرفة أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده".
وفي عاشر هذه الأيام، أي في يوم عيد الأضحى، يستحب ذبح الأضحية، سُنة أبينا إبراهيم عليه السلام، التي أقرها نبينا صلى الله عليه وسلم، والتي هي من أفضل الطاعات التي تؤدى في يوم عيد النحر.
كما تستحب في هذه الأيام صلة الأرحام والتصدق بالمال على الفقراء والمحتاجين إلى غير ذلك من الطاعات والقربات المفروضة والمسنونة في شريعتنا الغراء.
وفي نهاية مقالي هذا أقول، لتكن هذه الأيام فرصة للتوبة والاستغفار والإقلاع عن الذنوب والآثام، والإقبال على الطاعات والأعمال الصالحات أملا في عفو الله ورضوانه وطمعا في رحمته ودخول جنته.