المواطن الفلسطيني سواء في غزة أو الضفة يعيش ظروفًا اقتصادية وسياسية واجتماعية صعبة، والإنسان في الظروف الطبيعية لا بد أن يحظى بحقوقه الأساسية، التي من ضمنها الرفاهية بمختلف صورها، ولكننا نحن الفلسطينيين نخضع لاحتلال إسرائيلي يبعدنا كثيرا عن تحقيق تلك الأهداف لعامة الشعب مع وجود طبقة تعيش أفضل بكثير من الآخرين، ولكننا في الوقت ذاته نعاني ما لا علاقة للاحتلال به، وإنما من ممارسات خاطئة ومخالفة للقانون وتؤدي إلى تنكيد عيش كثير من المواطنين، ومن ذلك الضوضاء والإزعاج الذي يحرم المواطن أبسط حقوقه، وهو الظفر بلحظات من الهدوء والراحة سواء داخل بيته أو في الشارع أو حتى في عمله.
على المواطن أن يعرف أن الدستور كفل له بيئة خالية من الإزعاج والضوضاء كما هي خالية من الملوثات الكيميائية وغيرها، فالذي يحرق الإطارات تحت شباك بيتك كالذي ينادي بمكبرات الصوت لبيع وشراء الخردة أو حتى لبيع الأزهار، فكلاهما ملوث للبيئة حسب قانون البيئة رقم 7 لسنة 1999، وهذا يختلف كليا عن حرق الإطارات في الأماكن المخصصة لها، لا سيما على الحدود الوهمية، ويختلف أيضا عن استخدام مكبرات الصوت في المساجد للأذان أو إبلاغ المواطنين بأمور مهمة، أما استخدامها لقراءة القرآن في غير وقتها أو إلقاء الدروس عبر مكبرات الصوت، فذلك يدخل ضمن الإزعاج البيئي غير القانوني.
قانون البيئة يُعرِّف الإزعاج البيئي كالتالي: ما ينشأ من ضيق أو ضرر مادي أو معنوي عن الضجيج أو الضوضاء أو الاهتزازات أو الإشعاعات أو الروائح الناجمة عن نشاطات الإنسان أو المنشآت أو وسائل النقل وغيرها، الذي يؤثر في ممارسة الإنسان لحياته الطبيعية وممتلكاته، وينص في المادة 3 بند أ على: يحق لأي شخص تقديم ومتابعة أي شكوى، أو إجراءات قضائية معينة دون النظر إلى شروط المصلحة الخاصة ضد أي شخص طبيعي، أو اعتباري يسبب ضرراً للبيئة، كما ينص في المادة 5 بند أ على: حق كل إنسان بالعيش في بيئة سليمة ونظيفة والتمتع بأكثر قدر ممكن من الصحة العامة والرفاه.
قد يحتج البعض على هذا المقال بالقول: "خلِّ الناس تلقِّط رزقها، وخلِّ الناس في حالها"، وأنا أرد على مثل هذا الكلام، اتركوا المريض في حاله ومرضه ولا تزعجوه، واتركوا طالب التوجيهي يركز في دراسته، من حق الناس أن تنعم برفاهية الراحة وعدم الإزعاج، من حق الشاعر أن يستلهم شعره وأن ينجز الكاتب مقاله دون أن يعكر صفوه ويقطع أفكاره بائع بصل أو فجل، هناك علماء وحفظة قرآن وغيرهم بحاجة إلى الهدوء، حتى مع عدم وجود أي سبب، فالهدوء بذاته مطلوب، وليس من حق أي إنسان أن يحرمه إياه.
أنا لا أطالب من خلال هذا المقال ملء المحاكم بالشكاوى، ولكني أطالب جهات الاختصاص القيام بواجبها وتنفيذ القانون بالقدر المستطاع، لا بد من تحقيق الرفاه البيئي في ظل عدم قدرتنا على تحقيق الرفاه الاجتماعي للمواطنين، أنا لا أطالب بمنح المواطن شيئًا يفوق طاقة المسؤولين سواء في غزة أو الضفة، ولكنني أطالب بأمر يسير يخفف من معاناة شعبنا تحت الاحتلال وتحت الحصار.