أكثر من أربعين يوماً مرت على وقف إطلاق النار بين المقاومة الفلسطينية والعدو الإسرائيلي، وحال غزة على ما هو عليه، فلا الحال يتقدم باتجاه وقف إطلاق نار طويل الأمد، يترافق مع الإعمار وفك الحصار، ولا الأمر ذاهب إلى التصعيد، والمواجهة اليومية التي تلقي الجمر واللهب من حضن غزة إلى أحضان (تل أبيب)، فما زال حال غزة يتمطى على الأرجوحة بين وسيط مصري حريص على التهدئة، وتهديد إسرائيلي يضغط على أهل غزة، الذين تتعالى صرخاتهم بالمثل الشعبي: الوقوع في البلاء أهون من انتظاره.
الوقوع في بلاء المواجهة العسكرية، وتدمير الأبراج السكينة على رأس سكانها المدنيين أهون شراً على أهل غزة من انتظار تدخل الوسطاء، وشفقة العدو، وللناس قدرة على الصبر، لذلك فقد ضاقت غزة ذرعاً بهذه الحالة من الانتظار، وعد الأيام والساعات، وصاروا يستعجلون المواجهة المسلحة مع العدو الإسرائيلي على حالة الترقب، وصارت متابعة أخبار القصف اليومي أكثر قيمة لأهل غزة من متابعة أخبار زيارة الوفد المصري، أو وصول الوفد القطري، واستقبال ممثل الأمم المتحدة، وعشرات الوفود القادمة لغزة والمغادرة منها، فأهل غزة يسمعون جعجعة الوفود، ولا يرون طحيناً.
ضمن هذه الحالة من الترقب، يدرك أهل غزة عظيم الفرق بين مفاوضات يرتاح لها العدو الإسرائيلي، وهو يمارس متعة الضغط وشد عصب الفلسطينيين، ومفاوضات يكون فيها العدو الإسرائيلي مختبئاً في الملاجئ، أو منتظراً لموعد صفارة الإنذار، وهذا ما يتحدث به أهل غزة في مجالسهم الخاصة، فهم يدركون أن العدو الإسرائيلي يفاوض الآن بلا وجع، في حين المفاوض الفلسطيني مضغوط بعدة عوامل، أقلها تأثيراً على الناس توقف دخول الأموال القطرية للفقراء، وتأخر صرف مخصصات الشؤون الاجتماعية، وعدم انتظام التيار الكهربائي، وعدم دخول البضائع من المعابر، وعدم تصدير المنتوجات الزراعية.
إن الأصل في أي مفاوضات الندية والتكافؤ، وهذا ما كان متوفراً خلال 11 يوماً من المواجهة، فقد كان العدو الإسرائيلي مضغوطاً في أثناء المواجهة بإغلاق مرافق الحياة، ومنع التجوال على ملايين الصهاينة، وهروب عشرات آلاف المستوطنين الصهاينة من غلاف غزة، وتعطل عجلة الإنتاج، وإغلاق مطارات العدو، مع الضغط الدولي المتزايد على همجية العدو، كل ذلك وغيره كان كفيلاً بأن يعجل بنتائج أي مفاوضات لصالح القضية الفلسطينية، في حين المفاوضات ضمن الوضع الراهن من الهدوء، واطمئنان العدو للوسطاء، فإن زمن المفاوضات قد يطول، وقد يأتي بنتائج لا تخدم المصالح الفلسطينية.
فإذا أضيف لأوضاع غزة الضاغطة على قيادة المقاومة ما تعانيه القدس، التي ما زالت في دائرة الاستهداف، ويتم اقتحامها، والاعتداء على أهلها، وتدنيس المسجد الأقصى، فإن السؤال المطروح اليوم: متى ستبدأ الجولة الثانية من معركة سيف القدس؟ أو قد يكون السؤال الأهم: لماذا توقفت معركة سيف القدس قبل أن تستكمل أهدافها؟ فالمثل الشعبي يقول: ما لا يخرج مع العروس، لا يلحق بها!
وبغض النظر عن دور الوسطاء فما زال في جعبة غزة الكثير من سهام المفاجآت والفعل الميداني، فغزة هي أم القدرة على الفعل، على عكس ما يظن رئيس حكومة العدو الإسرائيلي نفتالي بينيت، الذي يهدد غزة بالدمار والهلاك واستخدام المزيد من الإرهاب والعنف ضد أهلها، ونسي بينيت أن غزة تعرف قدرات العدو الإسرائيلي، واختبرتها في الميدان أكثر من مرة، ويعرف أهل غزة أن عدوهم يمتلك مئات القنابل النووية منذ خمسين عاماً وأكثر، ولكن غزة تمتلك إرادة المقاومة، والرغبة في المواجهة، وعدم الانكسار، والموت شموخاً في ساحات الوغى أشرف ألف مرة من الموت خوفاً داخل غرف النوم المرتجفة، أو الموت جوعاً في المدن التي عافت سياسة الانتظار، وأمست تتشوق لسيف القدس المسلول والانتصار.