فلسطين أون لاين

وفيه بشرى وأجر عظيم

الإيمان بقدر الله يستلزم الصبر على الابتلاء

...
صورة تعبيرية عن الصبر
غزة/ ريما عبد القادر:

عندما تتأمل قوله تعالى: "وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ ۗ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة:155)، فإن فيها إخبار من الله تعالى للمؤمنين أن الدنيا دارُ بلاء، وأنه مبتليهم فيها، وحمل بذات الآية البشرى للصابرين.

وفي ذلك ترسيخ للإيمان في قلب المسلم بأن ما يُصيبك من فقد الولد أو المال، فإن في ذلك ابتلاء، والرضا بقدر الله تعالى هو ركن من أركان الإيمان.

وعن مفهوم الابتلاء يقول أستاذ الفقه المقارن المشارك د. ماهر السوسي: "الابتلاء بمعنى الاختبار أو الامتحان، إذ إنه يتمثل باختبار الإنسان والتعرف إلى مدى رضاه لقدر الله تعالى".

ويتابع في حديثه لصحيفة "فلسطين":" يجب أن نعلم أن الابتلاء سُنّة من السنن الكونية الثابتة، وقد دل على ذلك حشود من الآيات والأحاديث النبوية الشريفة".

ويستدل على ذلك بقوله تعالى: "الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ" (تبارك:2).

ويذكر بقول رَسُول اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَشَدُّ النَّاسِ بَلَاءً الْأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ الصَّالِحُونَ، ثُمَّ الْأَمْثَلُ فَالْأَمْثَلُ".

ويبين أن هذه النصوص جاءت لترسخ هذه السُنّة في عقيدة الإنسان المسلم، وعلى ذلك يجب على المسلم أن يظل معتقدًا بذلك ومهيئًا نفسه لهذا الأمر.

أسباب التكيف

ومن الأسباب التي تُعين المسلم على التكيف مع الابتلاء يقول السوسي: "هو أن يعلم أن هذا الابتلاء هو قدر من الله تعالى، والإيمان بالقدر هو ركن من أركان الإيمان، فالمسلم لا يكون مؤمنًا إلا إذا آمن بقدر الله تعالى، وبذلك ينبغي للمسلم أن يكون راضيًا بقدر الله تعالى".

ويضيف في حديثه: "وعندما يعلم المسلم أن هذا الرضى سيترتب عليه الأجر العظيم الذي وعد الله تعالى به عباده الصابرين، هذا الأمر سيجعله أكثر إيمانًا ورضى بالقدر".

ويستدل على ذلك إلى ما جاء في نهاية الآية التي ذكرت فيه الابتلاء بقوله تعالى: "وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ" (البقرة:155) حيث تضمنت البشرى لمن يصبر.

ويستدل بقوله تعالى: "إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ" (الزمر:10)، وحينما يعلم المسلم عظم الأجر فسيكون سبيل الرضا إلى ما أراده الله تعالى.

ويبين أن الذي يعين على الصبر هو التوجه إلى الله تعالى بالدعاء والاستغفار وطلب العون من الله سبحانه وتعالى بأن يعينه على ذلك، فالسؤال والاستعانة لا يكونان إلا لله وبالله تعالى.

ويستدل على ذلك عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِي اللهُ عَنْهُمَا، قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا رَدِيفُ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِي: "يَا غُلَامُ، احْفَظِ اللهَ يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَسَلِ اللهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللهِ، رُفِعَتِ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ".

ويؤكد ضرورة المحافظة على الصلاة، فإنها تعين على الصبر لقوله تعالى: "وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلَّا عَلَى الْخَاشِعِينَ" (البقرة:45).

الابتلاء والمنحة

وفيما يتعلق بالحديث عن الابتلاء بأنه محنة أو منحة، وحول ذلك، يوضح السوسي بقوله: "قد يكون الابتلاء منحة أو محنة، وكلا الأمرين في صالح المسلم، فإن كانت منحة فإن ذلك يعني أن الله تعالى أحب عبده، ويريد أن يزيد في درجاته، وأما إن كان محنة فإن الله تعالى أراد أن يدفع العبد في التكفير عن ذنوبه".

ويتابع في حديثه: "الحديث عن الابتلاء ليس اعتراضًا على قضاء الله تعالى وقدره، فهو يتحدث عمّا أصابه لغيره حتى يجد من يشد أزره ويخفف عنه بتذكيره بالصبر والأجر على ذلك، وألا يكون الحديث عن الابتلاء حديث شكوى حتى لا يتعارض بذلك مع الرضا بالقدر".

ويضيف: "الصبر على الابتلاء والرضا به لا يعني أن الإنسان محظور عليه أن يتألم لما أصابه، لأن الإنسان مفطور على حب النفس والمال وفقد هذه الأمور قد تترك ألما عميقًا في نفس الإنسان".

ويوضح أن الذي يفقد المال وغيره من الأمور المحببة للنفس، فإن الألم الذي يصيبه من جراء ذلك لا يعني الجزع أو عدم الصبر فهو لا يتعارض مع الصبر.

ويستدل حينما تُوفي إبراهيم طفل الرسول صلى الله عليه وسلم، فقد ورد عنه: "إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع وإنا بفراقك يا إبراهيم لمحزونون"، ثم قالها مرة أخرى: "العين تدمع والقلب يحزن ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون".

المؤازرة والتكافل

ويلفت السوسي إلى أهمية المؤازرة والتكافل لمن أصابه ابتلاء بفقد الولد والمال والبيت وغير ذلك، فإن المجتمع يتطلب منه الوقوف بجانبه ويخفف عنه، حيث إنه في ذلك تطبيق لقوله تعالى: "وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ..."(التوبة:71).

ويشير إلى أن التكافل الاجتماعي له وجهان: المعنوي الذي يستطيع أفراد المجتمع تقديمه، على عكس المادي الذي قد يعجز البعض عن تقديمه، وبذلك لا بد من الاهتمام بالتكافل المعنوي لما له أهمية كبيرة، مع تأكيد التكافل المادي لمن يستطيع تقديمه.

تيقن أنه مهما كان وجعك، فإن الله تعالى لن يحملك فوق طاقتك، فالله تعالى يقول في كتابه العزيز: "لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا"(البقرة:286)، فلا تجزع فالله الرحمن الرحيم أحن على قلبك من العالمين، واسأله في سجودك أن يعينك، فالأمر يستحق والأجر عظيم.