ما كان محمود عباس رئيساً للسلطة، ورئيساً لمنظمة التحرير، ورئيساً لحركة فتح، بإرادة الشعب الفلسطيني، كلّا وألف كلّا، فعباس صار رئيساً ضمن توافق إقليمي ودولي، وما كانت الانتخابات التي فاز فيها إلا مظهراً خارجياً، ودون أي منافسة جدية من أي حزبٍ أو تنظيم.
لقد استولى محمود عباس على مقدرات منظمة التحرير، ونزع من أعضاء اللجنة التنفيذية الدسم، فصاروا يهزون الرأس، وينتظرون المكرمة والراتب والمكاسب، كل ذلك بعد أن طوى محمود عباس تحت إبطه حركة فتح، ودجن لجنتها المركزية، فصارت لا تقدم ولا تؤخر إلا وفق مزاج محمود عباس، الذي يعرف أكثر من غيره أنه صار رئيساً لكل الشرعيات الفلسطينية بدعم إسرائيلي، وموافقة عربية، وتأييد غربي.
ستة عشر عاماً، تمكن خلالها محمود عباس من مد أذرعه إلى مفاصل الحياة الفلسطينية، فصار القائد والزعيم والملهم والرمز والقدوة والقرار والاستكبار، يقرب منه من يشاء، ويزجر إلى جهنم التجاهل من يشاء، في حالة استفراد بالحكم لم يسبق لها مثيل في العصر الحديث، فهو لا يلتفت لرأي الشعب، أو لردة فعل أي جهة سياسية فلسطينية أو تنظيم أو حزب، فجميع الشخصيات والأحزاب في نظر محمود عباس أقل شأناً من أن ينشغل بهم، أو يهتم لمواقفهم، فهو رئيس بجهده الذاتي، وتواصله الدولي، ولقاءاته العربية، ولا فضل لفلسطيني على وجوده على هذا الكرسي المرتبط بشرايين العلاقة الأمنية مع المخابرات الإسرائيلية.
ضمن هذا التوصيف الصريح والدقيق، هل كان سيرتعب محمود عباس من صرخات الجماهير في الخليل ورام الله ونابلس والجليل وهم يهتفون: ارحل يا عباس؟!
لا، وبكل تأكيد، فمحمود عباس لم يعد شخصاً، إنه منظومة الحكم التي تآلفت، وتضم ذوي النفوذ والمصالح والاسترزاق، وهذه المنظومة تدرك أن وجودها قرين بوجود عباس، وأن أي تعديل أو تغيير في موازين القوى سيكون هلاكاً عليها، وستخضع للمحاسبة والملاحقة، وسيطالها العقاب. عشرات الأسماء والمواقع والمراكز القابضة على عنق الشعب ستقاتل بكل شراسة دفاعاً عن امتيازاتها، وعليه فإن أي تهاون، أو تراجع، أو تراخٍ في القبضة الأمنية، يعني سحق وجود كل أولئك الذين يقبضون على عنق القرار، وهم جاهزون للدفاع عن مصالحهم، ومستقبلهم، ومصيرهم حتى آخر مجند فلسطيني، أعطوه ألفي شيكل في نهاية كل شهر، وقالوا له: أنت تدافع عن فلسطين، وعن المشروع الوطني، وأنت حصن الدفاع الأول ضد أولئك المندسين، الذين سيدمرون الحلم الفلسطيني، ويقوضون إنجازات الرئيس.
المعركة ضد محمود عباس وعصابته ليست سهلة، وانتزاع الحق الوطني والمعيشي لن يكون برفع الشعارات والبيانات والمناشدات، ولا من خلال اللقاءات والاجتماعات التي يشارك فيها محمود عباس على مضض، فهو يعرف نتائجها مسبقاً، وقد أخبرته استطلاعات الرأي السرية والعلنية، أن أي انتخابات ستقتلع جذوره، وجذور عصابته من الأرض الفلسطينية، لذلك فإن قلع جبل أحد بالمسيرات والرجاء والهتاف والمناشدة أسهل ألف مرة من قلع محمود عباس من كرسي الرئاسة، فهو عمود الخيمة الذي ثبتته المخابرات الإسرائيلية بمجموعة من الأوتاد، داخل أرض الضفة الغربية، خدمة لمصالحها الأمنية والسياسية.
محمود عباس لن يسمح لكم بانتخابات ديمقراطية تقتلعه، ولن يوافق على إصلاح منظمة التحرير لتقتلعه، ولن يتنازل لكم عن سلطاته من خلال المسيرات والوقفات التي ستقتلعه، ولن يستجيب لنداء آلاف المفكرين والمثقفين والكتاب الذين وقعوا على عريضة تطالبه بالاستقالة، ولم يبقَ لكم أيها الفلسطينيون إلا التفكير خارج الصندوق، والعمل خارج المألوف، فأنتم أصحاب الوطن فلسطين، ومسؤوليتكم أن تنزعوا من أحشائكم السكين، وذلك بالغضب الثوري العنيف، أو الزحف بعشرات الآلاف لتدمير معبد التنسيق والتعاون الأمني.