لم أتفاجأ بقرار وزارة الأوقاف التابعة للسلطة الفلسطينية في رام الله القاضي بتوحيد خطبة يوم الجمعة، وإلزام الخطباء بعدم التطرق إلى أي "مواضيع جانبية" كما أسمتها وأن من يخالف ذلك يقع تحت طائلة المسؤولية.
هذا القرار ليس جديدًا على هذه السلطة التي منعت مُفتيها من الحديث عن غزة ومقاومتها عقب انتصار سيف القدس، فهذا موضوع جانبي، كما عملية اغتيال المعارض السياسي نزار بنات في بيته منتصف فجر أمس.
نزار بنات الذي عارض الفساد وجهر بذلك، كان يعلم علم اليقين أن نهايته إما في السجن مدى الحياة، وإما معاقًا من أثر التعذيب، وإما شهيدًا على يد الظالمين، لكنه لم ييئس وبقي مجاهدًا بلسانه، حتى سلّم الروح إلى بارئها في عملية اغتيال ممنهجة ومدبرة بليل، وكل الأصابع تشير إلى القابعين في المقاطعة برام الله.
جاءت هذه العملية لتكمل مسلسل الإجرام الذي تنتهجه الأجهزة الأمنية في الضفة المحتلة، فبعد أن ألغى رئيسها الانتخابات -كان نزار مرشحًا فيها- وليس آخرها فضيحة صفقة اللقاحات الفاسدة، وما سبقها في الماضي القريب من اعتداءات وإجرام بحق كل من تجرأ على معارضة سياسة السلطة.
لكن الذي لم تنتبه قيادة السلطة أن توقيت هذه العملية كان سيئًا للغاية بالنسبة لها، خاصة بعد أن وصلت شعبيتها إلى الحضيض عقب هبة القدس والداخل المحتل وغزة والتي تُوّجت بانتصار ساحق رفع شعبية نهج المقاوم إلى مستويات قياسية داخليًّا وخارجيًّا.
وكذلك لم تنتبه أيضًا أنها ستدفع ثمنًا غاليًا إزاء هذه الجريمة التي وصل صداها إلى كل العالم الغربي الذي يتشدق بشعارات حقوق الإنسان -خاصة الذين يدعمون ميزانيتها- فقد تكون هذه الجريمة كالقشة التي ستقصم ظهر السلطة دوليًا، بعد أن انهارت محليًّا في عيون الفلسطينيين.
مما سبق نستنتج أن قيادة السلطة محقة بأن تصنّف هذه الجريمة موضوعًا جانبيًّا ويجب عدم التطرق إليه؛ لأنها شعرت بأنها ستكون دليل إدانة قويًّا ضد السلطة ورئيسها لدى المحاكم الدولية، ما يجعل مستقبلهما القريب في مهب الريح.
ولكن لو نظرنا إلى الموضوع من جهة أخرى لوجدنا أن قرار تنفيذ الجريمة جانبي بالفعل؛ لأنه جاء نتيجة سلسلة اجتماعات أقيمت على المستوى القيادي في حركة فتح والسلطة الفلسطينية، لمواجهة المخاطر التي تسببت بها معركة سيف القدس على برنامج أوسلو وسلطة التنسيق، وعليه فإنه من المتوقع أن تتبع هذا القرار إجراءات إجرامية أخرى للحفاظ على المصالح الضيقة لبعض القيادات غير المؤتمنين على حياة الناس.
نزار بنات رحل ولكن فكرته لم تمت، فليكن رحيله انطلاق شرارة الثورة لإسقاط سلطة التنسيق الأمني، رحم الله أبو كفاح وألهم ذويه الصبر والسلوان، والخزي والعار لقاتليه.