سترحب الجزائر العربية بزيارة وفد حركة حماس، فالجزائر وحدها أمة للمقاومة والنضال، وهي صاحبة التجربة الفريدة في مواجهة الاستعمار الفرنسي، ولا أظن أنها ستبخل على فلسطين باستقبال وفد المقاومة، ولا أظن أنها ستميز بين تنظيم فلسطيني وآخر إلا بالتقوى السياسية، والتقوى بالمفهوم السياسي هي المقاومة، فمن رفع سيف القدس، وشق به ظلمة الاحتلال، فله صدر البيت في كل بقعة من بلاد العرب.
وإذا كانت بديهيات السياسية تقضي بأن ما لا يدرك كله لا يترك كله، فإن من الحكمة السياسية أن يزور وفد حركة حماس بلاد المغرب العربي، التي ميزها أحد أبواب القدس، والمعروف بباب المغاربة، الباب الذي ظل يطل على حارة المغاربة، حتى دمرها الاحتلال الإسرائيلي سنة 67، وأقام بدلاً من بيوت المغاربة العرب ما يعرف اليوم بساحة (حائط المبكى).
لقد تعرضت زيارة وفد حركة حماس إلى المغرب العربي للنقد والاعتراض من بعض الشعب الفلسطيني المحارب لكل أشكال التطبيع مع العدو الإسرائيلي، ولاسيما بعد أن وقع رئيس الحكومة، رئيس حزب العدالة والتنمية، على اتفاقية التطبيع مع العدو الإسرائيلي، لذلك فسر البعض زيارة وفد حركة حماس أنها تنازل عن القيم والمبادئ، ولهاث خلف بعض المكاسب والمصالح، والحقيقة أن الزيارة تمثل اختراقاً مهماً في جدار التطبيع، وقد أغضبت السفير الإسرائيلي الذي لم يعثر على مقر لسفارته على أرض الشعب المغربي، ويكفي هذا مبرراً لزيارة وفد حركة حماس لبلاد المغرب العربي، والتي ستظل عربية، من الخطأ التخلي عنها، وتركها مسرحاً وملعباً للأعداء الصهاينة.
زيارة وفد حركة حماس للمغرب العربي لا تقتصر على حزب العدالة والتنمية، هذه الزيارة يجب أن تكون مخصصة للشعب العربي في بلاد المغرب كلها، ومن هنا فإن اللقاء مع كل المنظمات الأهلية والأحزاب السياسية من أساسيات الزيارة، فالشعب المغربي حين يستقبل وفد حركة حماس فإنه لا يرى أشخاصاً، ولا يلتقي مع رموز للشعب الفلسطيني، الشعب المغربي بقضه وقضيضه لا يرى أمامه إلا سيف القدس المشرع، ولا يستقبل إلا بريق سيف القدس اللامع في سماء المغرب، السيف الذي غمد نصله في صدر (تل أبيب)، وهذا فخر للمغرب، وشرف لفلسطين، وتحقير لاتفاقية التطبيع، التي داس عليها الشعب المغربي بحذاء الكرامة الوطنية مجرد احتضانه للوفد الفلسطيني المقاوم.
وللمقاربة، فقد حرصت حركة حماس في الفترة الأخيرة على توطيد العلاقة مع مصر العربية، وهي أول الدول العربية التي وقعت الاتفاقيات، وأقامت العلاقات مع العدو الإسرائيلي، وقد استقبلت وزير المخابرات المصرية، الذي جاء غزة زائراً بعد أن زار (تل أبيب)، ومن المؤكد أن حركة حماس، وغيرها من الفصائل الفلسطينية حريصة على العلاقة مع الأردن العربي، رغم اعترافه بدولة العدو، وإقامة علاقات دبلوماسية، فالضرورة تقضي عدم ترك الساحة العربية للإسرائيليين، بما في ذلك الساحة الفلسطينية، حيث تمارس السلطة الفلسطينية التنسيق والتعاون الأمني، وهو أشد بلاءً من التطبيع، ومع ذلك، ولمصلحة فلسطين، لما تزل حركة حماس وغيرها من التنظيمات تلتقي مع أكبر رأس يتعاون أمنياً مع العدو الإسرائيلي.
ولتحقيق التوازن في العلاقة مع الدول العربية، على حركة حماس أن تبذل كل جهد لزيارة الجزائر، شعب الجزائر عربي النسب، وفلسطيني الولاء، ولا تنبض عروق الجزائريين إلا حباً لفلسطين، وستظل الجزائر ساحة مواجهة لأعداء العرب، وعلى حركة حماس ألا تمر عن الجزائر دون أن تلقي السلام، وأن تشرب من مائها، وأن تتنفس من كرامة شعبها، فزاد الجزائر خيرٌ وبركةٌ، والشعوب الأبية تعشق الأباة، والشعوب الناهضة تعشق كل من قاوم الطغاة.