"مسيرة الأعلام" في القدس لم تتم رغبة من المستوطنين في تأكيد وحدة القدس كعاصمة للمحتل الإسرائيلي، وإنما تمت رغبة من رئيس الوزراء السابق بنيامين نتنياهو في جر دولة الاحتلال إلى حرب تنقذه من مأزقه السياسي، إذ كان يصر على أن تتم المسيرة في موعدها ولكن خصومه نجحوا في تأجيل موعدها إلى ما بعد سقوطه لتفويت الفرصة عليه في التحكم بمسارها والذهاب إلى حرب جديدة تعلم دولة الاحتلال أنها غير مستعدة لها إطلاقًا.
"مسيرة الأعلام" في القدس لم تحقق هدفها بل على العكس تمامًا منحت المقاومة الفلسطينية صورة نصر جديدة، قد يظن البعض أن ما أقوله مجرد مزاودة ولكن من ينظر إلى الصورة بكاملها سيرى علامة نصر كبيرة ممتدة من البلدة القديمة في القدس -التي لم يجرؤ المستوطنون على اقتحامها كما هو معتاد- إلى عنان سماء فلسطين حيث حولت دولة الاحتلال مسار طيرانها خشية من رد المقاومة الفلسطينية.
المقاومة الفلسطينية حققت هدفها ويتمثل ذلك في تغيير مسار المسيرة ومنع دخولها إلى البلدة القديمة واستفزاز المقدسيين، ثم رأينا أن عدد المستوطنين المشاركين في المسيرة تراجع كثيرًا، وأهم من كل ذلك رأينا كيف طالبت دولة الاحتلال حركة حماس عبر عدة أطراف ألَّا تقوم بأي رد عسكري، فضلًا عن تحويلها مسار الطيران كما تفعل وقت الحرب خشية من استهداف الطائرات، وهذا اعتراف إسرائيلي واضح بفشله في معركة سيف القدس وفشله في ردع المقاومة وخشيته من تدهور الأوضاع من جديد.
ما رأيناه وعلمناه أسباب كافية لعدم رد المقاومة في غزة عسكريًّا، ولكننا نعتقد أن ما خفي أعظم، فنحن لا نعلم ما المكاسب التي حققتها المقاومة في الخفاء للشعب الفلسطيني، وما الوعود التي تلقتها من أطراف عديدة مقابل ضبط النفس وعدم التصعيد، وتلك أمور قد تظهر لاحقًا إن حدثت فعلًا، في المقابل شهدنا حراكًا جماهيريًّا في غزة نصرة للقدس وشهدت الحدود الزائفة مقاومة شعبية عفوية تم إطلاق البالونات الحارقة خلالها تسببت في إحداث حرائق متعددة في منطقة ما يسمى بغلاف غزة حتى ضج المستوطنون وأعلنوها صريحة بأنهم غير مستعدين لدفع ثمن ما يفعله المتطرفون في القدس، وهذه من ثمرات النصر في معركة سيف القدس وهي إدراك المحتلين بأن جميعهم عرضة لدفع ثمن ما يفعله بعضهم مهما بعدت المسافة، وهذا سيؤدي إلى صراعات داخلية ستؤدي بالضرورة إلى كبح جماح المستوطنين في الضفة الغربية والقدس ومنعهم من الاستمرار في اعتداءاتهم واستفزازاتهم وجرائمهم ضد الفلسطينيين.