جاءتني مراسلات كثيرة من أشقاء عرب في العراق وسوريا واليمن، وكلهم عاتبٌ على حركة حماس، ويلوم ممثلها في اليمن معاذ أبو شمالة على تصريحاته، والشكر الذي قدمه للحوثيين لمساندتهم المقاومة الفلسطينية.
منطلق العتاب العربي على حركة حماس ينصب بمجمله على موقف الحركة من إيران وحزب الله والحوثيين؛ فيكف لحركة إسلامية سنية أن تشكر منظمات الشيعة، وتمتدح مواقفهم، وهم الذين ذبحوا السنة في العراق واليمن وسوريا، كما يقولون؟! وهل يصح من حركة حماس التي تلقت الدعم والمال والإسناد من الشعوب العربية، هل يصح أن تدير ظهرها اليوم للحاضنة الشعبية العربية، التي اقتطعت لها لقمة الخبز من قوتها اليومي، لتشكر إيران وحزب الله؟! وإذا كانت الأنظمة العربية قد خذلت المقاومة؛ فإننا الشعوب العربية الإسلامية السنية قد ذبحنا مرتين: مرة من الأنظمة نفسها، ومرة من إيران وحلفائها، وما كان يجب على حركة حماس التي نحبها، ونثق فيها، ونتمنى لها الانتصار على العدو الإسرائيلي؛ ما كان لها أن تطعننا في قناعاتنا ومحبتنا لها، وتشكر أعداءنا.
في البداية لا بد من التأكيد لكل مهتم بهذا الأمر أنني لست عضوًا في حركة حماس، ولا أوظف نفسي مدافعًا عنها، أنا عربي فلسطيني مؤمن بحقي الكامل بأرض فلسطين، وواثق في قدرة الشعوب العربية على تحرير نفسها من نير الطغاة، ومن بطش الأعداء، ولا أرى بملامة بعضٍ لحركة حماس إلا مؤشر ثقة، يدلل على قيمة حركة حماس المعنوية، ومكانتها الروحية في قلوب الأمة، وتأثيرها الإيجابي في الأجيال، وهذا هو منطلق الإجابة عن السؤال: هل أخطأت حركة حماس حين شكرت كل من قدم لها يد المساعدة والعون؟
حركة حماس لا تقاتل على أرض فلسطين عدوًا إسرائيليًّا واضح المعالم، حركة حماس تقاتل عملاء العدو الإسرائيلي في المنطقة، وتتصدى لحلفاء العدو الإسرائيلي في الغرب، وتهاجمها الأنظمة التي تدور في فلك أمريكا و(إسرائيل)، وهذا يعني أن المقاومة الفلسطينية بحاجة إلى حلف عربي إسلامي دولي، يصطف إلى جانبها، لتقاتل حلف أمريكا و(إسرائيل)، ومن دار في فلكهم من أقزام وعملاء وخونة للأمتين العربية والإسلامية.
ولما كان رجال المقاومة الفلسطينية في غزة تحت الحصار الإسرائيلي، والإجراءات العقابية المشددة؛ فإن الوقوف في وجه حلف (إسرائيل) وأمريكا وعملائهم يستوجب البحث عن كل الطرق الكفيلة بتأمين السلاح، والإمداد، والتمويل المالي، والإسناد من كل جهة عربية أو إسلامية، أو حتى أجنبية، كي تواجه حلف الأعداء، ولولا هذا الحلف العربي الإسلامي المناهض لحلف أمريكا و(إسرائيل)، لما استطاعت حركة حماس ورجال المقاومة في غزة أن يشهروا سلاحهم، وأن يقصفوا (تل أبيب) بصواريخهم، فالمؤامرة على القضية الفلسطينية أكبر من مساحة فلسطين، وتخترق كل منطقة الشرق التي يمثل نهوضها اندحارًا للمشروع الصهيوني.
المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة بحاجة إلى السلاح، وبحاجة إلى المال، ولا ينكر مقاوم أو وطني في غزة أهمية الشعوب العربية في مد يد العون، ولكن لا ينكر أحد الدور الذي قامت به إيران في تزويد المقاومة الفلسطينية باحتياجاتها العسكرية والمادية، ومن ذلك تأمين طرق الإمداد، والدعم اللوجستي، وأزعم أن حزب الله في لبنان قد مثل قاعدة انطلاق لكثير من الأسلحة التي يتزود بها رجال المقاومة في غزة، وكذلك كانت اليمن، التي فتحت موانئها على البحر الأحمر لتخزين سلاح المقاومة، وتأمين عبوره إلى غزة، وأزعم أن هذا ما تعرفه أجهزة المخابرات الإسرائيلية والأمريكية، ولكنها تقف إزاءه عاجزة، وهذا ما يعرفه ممثل حركة حماس في اليمن معاذ أبو شمالة، وهو يتابع تفاصيل المساعدات التي يقدمها الحوثيون للمقاومة في هذا المجال العسكري.
إننا نشكر العرب الحوثيين لما قدموه من خدمات عسكرية للمقاومين في غزة، وهذا الشكر لا يعني أن المقاومة الفلسطينية ستشهر سلاحها ضد خصوم الحوثيين العرب على أرض اليمن، فالحكمة تقضي أن تترفع المقاومة عن النزاعات الداخلية، التي ستنتهي في لحظة صفاء وطني، تعود فيه الشعوب العربية في العراق واليمن وسوريا إلى رشدها، وتدرك أن الفتنة بين مسلم سني ومسلم شيعي صناعة إسرائيلية مئة من المئة، ولا تخدم إلا أعداء هذه الأمة، وهذا ما أدركه الشعب الفلسطيني، وهو يقاتل في معركة سيف القدس صفًّا واحدًا، لاعنًا الانقسام الجغرافي والسياسي الذي زرعه العدو الإسرائيلي بين الفلسطينيين.
الشعب الفلسطيني الذي يشكر الحوثيين، ويشكر حزب الله، ويشكر الإيرانيين على استعداد لأن يقبل أقدام المملكة العربية السعودية، وأن يبوس التراب تحت أقدام الأمراء، لو وفروا لمقاومته رصاصة واحدة، يدحر بها المحتلين الصهاينة، وشعبنا الفلسطيني يتمنى أن يصير ميناء جدة على البحر الأحمر هو الممر الآمن لسلاح المقاومة إلى غزة، بدلًا من ميناء الحديدة اليمني، فلو تحقق ذلك فسنخرج كلنا لنلوح بيدين عربيتين عرفانًا للسعودية، وسنقدم للإمارات درع غزة والقدس تفضلًا على الدعم العسكري، ولكن السعودية والإمارات اللتان تحاربان الحوثيين في اليمن باسم السنة تحاربان المقاومة الفلسطينية المسلمة السنية باسم الإسلام، وتتآمران عليها، وقد ضبطت مجموعات تجسس تابعة للإمارات في غزة، مهمتها جمع المعلومات لمصلحة العدو الإسرائيلي، لذلك لم يكن غريبًا على وزير خارجية الإمارات أن يستغرب من دول الغرب عدم تصنيفها حركة حماس ضمن المنظمات الإرهابية، وقد سبق أن صنفت السعودية حركة حماس منظمة إرهابية، ولمّا يزل ممثل الحركة يلقى التعذيب والإهانة في السجون السعودية.
لقد تلاقت حركة حماس الإرهابية من وجهة نظر السعودية والإمارات؛ مع حركة الحوثيين الإرهابية من وجهة نظر السعودية والإمارات أيضًا، ليمثل هذا التلاقي قمة التعاون الميداني في مواجهة العدو الإسرائيلي، الذي ارتجفت مفاصله ومفاصل حلفائه جراء هذا التلاقي.
فأين الشعوب العربية المسلمة (سنة وشيعة) من هذه الصراعات التي تدور بين تكتلين لا مذهبين: تكتل سياسي تقوده أمريكا و(إسرائيل)، وبعض الأنظمة العربية، التي تطلب المباركة من حاخامات (إسرائيل)، وتكتل سياسي يرفع السلاح في وجه أمريكا و(إسرائيل) وحلفائهم، ولا علاقة للمذاهب والأديان في الوقوف مع هذا الحلف أو ذاك؛ فالحرب ليست بين السنة والشيعة، الحرب بين عدو يغزو المنطقة، وأهل الشرق الذين يتصدون لهذا العدو، بغض النظر عن أديانهم وطوائفهم، فقد يقف بعض المسيحيين والدروز والمسلمين والشيعة إلى جانب الحلف الأمريكي الإسرائيلي، وقد يصطف بعض المسلمين والمسيحيين والشيعة والدروز إلى جانب الحلف المعادي لحلف أمريكا، ولنا في المطران كبوشي أسوة حسنة، حين التحق المطران بالثورة الفلسطينية، وإليكم المطران مانويل مسلم، الذي يقف إلى جانب حركة حماس الإسلامية السنية ضد العدو الإسرائيلي.
إن أخلاق المسلم لتفرض على حركة حماس، وعلى فصائل المقاومة أن تقدم الشكر لكل عربي ومسلم ومسيحي حتى يهودي يمد لها يد العون والمساعدة في حربها ضد محور أمريكا و(إسرائيل)، وهذا لا يعني أن المقاومة تقف مع حاكم ضد الشعب، ولا يعني أن أهل فلسطين يقبلون أن تكون قضيتهم معروضة في المزاد السياسي، فالشعوب العربية تدرك أن كل بوصلة لا تشير إلى القدس مضللة، وأن كل بندقية تصوب باتجاه العدو الإسرائيلي قد أدركت الحقيقة، وتسير على هدي الإسلام، وأن كل من يطعن المقاومة، ويضع يده في يد الصهاينة حليفًا أو مطبعًا أو صديقًا أو جارًا خانعًا؛ فإنه حربٌ على الإسلام والمسلمين.
فهل أخطأ معاذ أبو شمالة ممثل حركة حماس في اليمن، حين قدم درع الحركة للحوثيين شاكرًا مساندتهم للمقاومة؟!
أنا لا أعرف معاذ أبو شمالة، ولم أرَ وجهه منذ أكثر من ستين عامًا، مع أنه من مواليد خان يونس، فقد فرض علينا العدو الإسرائيلي ألا نلتقي كل هذه السنين، ولكنني أعرف أباه مصطفى أحمد عقيل أبو شمالة، فقد كان أستاذنا، وكان مرشدنا إلى طريق الإسلام القويم، كان ذلك قبل سفره إلى الكويت مدرسًا، وأعرف جده أحمد عقيل أبو شمالة، وكان من حفظه القرآن، وأحد أئمة مسجد المخيم، وأعرف جد أبيه عقيل أبو شمالة، الذي حفر أول بئر في قرية بيت دراس الفلسطينية سنة 1929، ولما أينعت ثمار بيارة الحمضيات اغتصبها الصهاينة سنة 1948، وطردوا كل أبنائه وأحفاده من وطنهم؛ فصرنا لاجئين نقيم في مخيمات قطاع غزة، وفي بلاد اليمن والكويت والأردن وتركيا والسعودية ولندن والإمارات وكل أصقاع الأرض.
فهل يلام معاذ أبو شمالة لو قال شكرًا لأي عربي أو هندي أو إفريقي أو مسلم أو مسيحي أو صيني أو حوثي أو مغربي أو ماليزي، شكرًا لمن يقدم للمقاومة الفلسطينية الدعم، أو يؤمن لها طريق السلاح، لتغدو قادرة على محاربة العدو الإسرائيلي ومن والاه من حلفاء وعملاء؟!
ملحوظة: كما يشكر الفلسطينيون فضائية الجزيرة إنهم يشكرون فضائية الميادين.