يومًا بعد يوم تتضح لنا دلالات ما قالته حماس من أن سياستها ما بعد الحرب ليست كما قبلها، فالحركة بدأت سياسة جديدة في التعامل مع ملف المصالحة وترتيب البيت الفلسطيني، آخذةً بالحسبان 14 عامًا من الحوارات العقيمة التي ساهمت في تعزيز الانقسام وفصل الضفة عن غزة، وتراجع القضية الفلسطينية وظهور محور التطبيع وصفقة القرن، وما إلى ذلك من كوارث سببها الفوضى التي خلفها الانقسام.
السؤال الذي يطرح نفسه بقوة؛ لماذا تطالب حركة حماس بأن يكون إعادة تأهيل منظمة التحرير أول خطوة تجاه المصالحة الوطنية؟ الإجابة عن هذا السؤال ليست قطعية، لأن حماس لم تجِب عنه، ولكننا نعتقد أن هناك أسبابًا عديدة دعت حماس إلى اتخاذ مثل هذا الموقف، أولها أن قادة المنظمة يعتبرون أنها الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، وبناء عليه وضعت بيدها مصير الفلسطينيين وخاصة عندما عُطِّل المجلس التشريعي المنتخب، علمًا بأن كل مكونات المنظمة لم تعرض إداراتها على الشعب لا في استفتاء ولا في انتخابات، فالمجلس الوطني غير منتخب وكذلك المجلس المركزي واللجنة التنفيذية.
حماس ترفض أن تبدأ مسيرة المصالحة بتشكيل حكومة وحدة لأن حكومة الوحدة جُرِّبت، وكانت سيفا مسلطا على غزة وعلى حماس، وهي كذلك لم تطلب استئناف الانتخابات التشريعية لأنه يمكن إلغاء الانتخابات في أي لحظة كما حدث عندما وافقت حماس على المشاركة بانتخابات الهيئات المحلية وأُلغيت الانتخابات بسبب غزة ولأسباب تافهة، وكذلك تخشى حماس من تعطيل المجلس الجديد كما حدث مع المجلس الحالي، ولأن تلك الإجراءات تعد مضيعة للوقت، ولا يوجد ضمانات بعدم تدخل المنظمة لتعطيل ما أُنجِز، ولذلك تسعى حركة حماس للبدء بإعادة تأهيل المنظمة لأنها أصعب خطوة من خطوات المصالحة، وأنا كنت أعدّها مستحيلة قبل معركة سيف القدس، إلا أنني أقول الآن إنها ممكنة، ولكن ليس بإجراء انتخابات للمجلس الوطني، وإنما بتشكيل مجلس توافقي، وما ينطبق على المجلس الوطني ينطبق على بقية هيئات ومؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، حتى تكون بحق ممثلا شرعيا للشعب الفلسطيني.
ظروف ما قبل الحرب كانت مريحة بالنسبة للاحتلال الإسرائيلي، فهو يعيث فسادا في الضفة والوطن العربي، وكانت عملية التطبيع على أشدها، وكذلك تهويد المقدسات والاستيطان في الضفة الغربية، وكانت غزة محاصرة وجميع المتآمرين مرتاحين، ولذلك لا مانع لدى تلك الأطراف أن يظل الانقسام وأن تعمل منظمة التحرير ما تشاء ما دامت لا تهدد الاحتلال الإسرائيلي، ولكن ما بعد الحرب اختلفت الظروف جذريًّا، وجميع المتآمرين يرون أن ترتيب البيت الفلسطيني أخف ضررا من إبقاء الفوضى، ولو تطلب ذلك رفع الفيتو عن المصالحة واستبداله بفيتو على الانقسام، فدخول حماس وفصائل المقاومة منظمة التحرير والتوصل إلى حل سياسي مرحلي معها أهون عليهم من دخول المقاومةُ المدن والمستوطنات الإسرائيلية في أي حرب قادمة.