يوم أمس اجتمعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير (المعينة دون انتخاب) برئاسة محمود عباس الذي يجمع ثلاث رئاسات بين يديه وهي رئيس اللجنة التنفيذية سالفة الذكر، ورئيس دولة فلسطين، ورئيس حركة فتح، تعتبر اللجنة التنفيذية حسب النظام الأساسي لمنظمة التحرير المادة (15) أعلى سلطة تنفيذية للمنظمة، وتؤلف من خمسة عشر إلى ثمانية عشر عضوًا ينتخبهم المجلس الوطني الفلسطيني، ذلك المجلس غير المعروف عدد أعضائه، ولم يتم انتخابه البتة، ويُعيَّن أعضاؤه بقرار من المجلس نفسه حسب المادة (32) من النظام الأساسي للمنظمة.
تلخيصًا لما جاء سابقًا أن اللجنة التنفيذية تُنتخب من المجلس الوطني والمجلس الوطني لم ينتخب أعضاؤه منذ عام 1968، ويتناوب على عضويته أعضاء بالتعيين وفقاً لتفاهمات الفصائل المنضوية في إطار المنظمة، علمًا أن بعض أسماء هذه الفصائل لا يعرفها معظم أبناء شعبنا الفلسطيني، فضلًا عن أن أسماء بعض أمنائها العامين تمثل من وجهة نظري أحد أصعب الأسئلة التي يمكن أن تطرح على الشعب الفلسطيني.
أبو مازن يرأس هذه المنظمة منذ عام 2005 حينما جرت الانتخابات الرئاسة الفلسطينية للمرة الثانية بعد عام 1996 وذلك عقب وفاة الراحل ياسر عرفات، ومنذ ذلك الحين لا يزال أبو مازن يمسك بتلابيب المنظمة وبالتبعية يمسك بتلابيب رئاسة دولة فلسطين، ويتبنى منهجًا سياسيًّا يعارضه عموم أبناء الشعب الفلسطيني ممثلًا بمنظمات المجتمع المدني والأحزاب والقوى والفصائل، سواء تلك التي لها حضور واسع في الشارع الفلسطيني أو تلك التي تحدثت فيها قبل قليل، ودليل ذلك أن المجلس المركزي للمنظمة وهو الهيئة المصغرة للمجلس الوطني الذي يمثل كل فصائل منظمة التحرير، اتخذ عدة قرارات من أبرزها وقف التنسيق الأمني والانعتاق من اتفاقيات أوسلو، وقد أيدت هذه القرارات الفصائل غير المنضوية تحت مظلة منظمة التحرير وعلى رأسها حركة حماس والجهاد الإسلامي، إلا أن أبا مازن رفض تنفيذ هذه القرارات وضرب بها عرض الحائط ولم يُلقِ لها بالًا، رغم أن المادة (7) فقرة (أ) من النظام الأساسي لمنظمة التحرير تنص على أن المجلس الوطني هو السلطة العليا لمنظمة التحرير وهو الذي يضع سياسة المنظمة ومخططاتها وبرامجها.
هذا بخصوص رئاسة محمود عباس لمنظمة التحرير، أما بخصوص رئاسته لدولة فلسطين فإن الانتخابات التي تولى فيها هذا المنصب جرت في عام 2005 كما أسلفنا، وانتهت مدة ولايته الدستورية حسب القانون الأساسي الفلسطيني في عام 2009، حسب المادة (36) المعدلة بالمادة (1) من القانون الأساسي المعدل لعام 2005، حيث تنص هذه المادة على أن مدة رئاسة السلطة الوطنية الفلسطينية هي أربع سنوات.
ومنذ عام 2009 وأبو مازن متشبث بالرئاسة بدعوى أن المجلس المركزي قد مدد له ولايته (طبعًا لا يُعرف هل مدد له المجلس المركزي تمديدًا مفتوحًا أم مؤقتًا؟)، هذا لو افترضنا جدلاً أن من حق المجلس المركزي (المعين) كما ذكرنا سابقاً أن يتخذ مثل هذا القرار، وإذا كان الأمر كذلك فلماذا نفذ أبو مازن قرار المجلس هذا ولم ينفذ ما جاء بعده من قرارات خاصة تلك التي تتعلق بوقف التنسيق الأمني مثلاً؟، على كل الأحوال أبو مازن يحكم المنظمة ويحكم الدولة من خلال الصورة التي أوضحناها للقارئ بصورة مختصرة ولن ندخل في رئاسة أبى مازن لحركة فتح؛ لكونه شأنًا داخليًّا فتحاويًّا يقرر فيه أبناء فتح فقط.
أبو مازن (الزاهد في السلطة حسب قوله) ألغى الانتخابات بقرار غير دستوري وغير قانوني (ولنا مقال مفصل في ذلك لمن أحب قراءة مزيد من التفاصيل) بدعوى عدم موافقة الاحتلال على إجراء تلك الانتخابات في القدس ولم يطرح البديل.
وفي ظل تيقن كل مواطن فلسطيني أن الاحتلال لن يسمح بذلك ما دام بقي في المدينة، فهذا يعني أن أبا مازن قد فرض نفسه رئيسًا على الأقل (حتى زوال الاحتلال) هذا الاحتلال الذي لا يؤمن أبو مازن بمكافحته عسكريًّا، ولا حتى بمكافحة سلمية خشنة.
إذن نحن أمام حالة استعصاء وطني في تغيير قيادة الشعب الفلسطيني أو ممارسة التناوب السلمي على السلطة، فإذا سلَّمنا بذلك جدلًا وقلنا الله غالب، فالمفترض بأبي مازن أن يسترضي قوى الشعب الفلسطيني خاصة تلك القوى المؤثرة وذات الحضور الشعبي الواسع، والذي يشهد هو نفسه على مدى حضورها وتأثيرها من خلال إشراكها في القرار السياسي أو التوافق معها على البرنامج السياسي للشعب الفلسطيني، إلا أن أبا مازن يفضل أن يصف نفسه "بالرئيس الشرعي" رغم الصورة التي أوضحناها لكيفية بقائه في المنصب حتى الآن، بل والأدهى من ذلك أنه يفرض شروطًا على من يجب أن يشارك في (حكومته) كما يحلو له أن يصفها، وهذا ما صدر به بيان (لجنته التنفيذية) التي بدأنا المقال بالإشارة لاجتماعها، وذلك حينما ذكر بيان الاجتماع الذي صدر عنها، ما يلي نصه (ودعم ما دعا له الرئيس محمود عباس بتشكيل حكومة وفاق وطني تعكس برنامج منظمة التحرير الفلسطينية وسياستها وتعاملها مع المجتمع الدولي)، طبعًا البيان يقصد سياسة أبي مازن وليس سياسة المنظمة، لأن سياسة منظمة التحرير قرر فيها المجلس المركزي قرارات عدة ولم ينفذها أبو مازن كما ذكرنا.
وخُتم بيان اجتماع اللجنة التنفيذية "بتأكيد تعزيز وضع المنظمة وتمثيلها الوحيد للشعب الفلسطيني ودعوة المجلس المركزي للانعقاد في أسرع وقت لهذا الغرض" وأنا أتساءل أي غرض هذا المدعو له المجلس المركزي ما دام أن قرارته لم تُنفذها يا أبا مازن.
خلاصة القول إن محمود عباس الذي يبلغ من العمر الآن 87 عامًا. يرفض إجراء انتخابات للسلطة الوطنية الفلسطينية، ويرفض إعادة بناء منظمة التحرير على أسس وطنية بحيث تشمل كل الفصائل، ويرفض تشكيل حكومة وحدة وطنية وفق رؤية وطنية جامعة، ويحب أن يصف نفسه (بالرئيس الشرعي)، أترى لو حكمنا جحا أكان يمكن لنا كشعب فلسطيني أن نعيش أسوأ من هذه المهزلة؟