من المتعارف أن البيوت لا تُدخل إلا من أبوابها، وبعد الاستئذان من أهلها، "يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتًا غير بيوتكم حتى تستأذنوا وتسلموا على أهلها" (صدق الله العظيم).
وإنه لمن نافلة القول إن لفلسطين أهلها الشرعيين منذ اليبوسيين الكنعانيين قبل أربعة آلاف عام ق.م؛ أي منذ أقدم الحضارات البشرية؛ وذلك باتفاق جميع الباحثين والأنثروبولوجيين، حتى بعض اليهود، وإن منهم في منتصف الألف الثاني قبل الميلاد قوم من عرب "بولستا" جاءوا من كريت وجزر بحر الأرخبيل، وهم من الأرومة العروبية، لاذت بحمى بني جلدتها؛ على الساحل، بين غزة ويافا، واتخذت البقاع التي حلوا فيها اسم فلسطين، وهي القسم الجنوبي من سورية أو آشورية.
هذه فلسطين، وأهلها منذ الأزل، وإلى الأبد، يعرفون بالفلسطينيين، منذ العروبية الأولى، حضارة وعمارة، وإن من طرأوا عليها لم يؤسسوا فيها ما يدمغها بدمغتهم للبقاء فيها طويلًا، وأخص بذلك العبيرو (العبرانيين) الذين لم يلبثوا فيها، كما أهلها الحقيقيين؛ وقد تشتتوا عنها مرذولين مهزولين، وكتبت عليهم الذلة والمسكنة إلى يوم الدين.
نعم؛ تعرف هذا كل شعوب الأرض حتى الأعراب وأشباه العرب والساقطون منهم، الذين تجاهلوا أصولهم وتناسوا عزهم وشرفهم وتاريخهم، حتى شق ولاة أمرهم جيوبهم، وتبرؤوا في سوق النذالة من أبناء فلسطين، وآمنوا إيمانًا يليق بشرفهم الجديد بيهودية فلسطين، ممزقين أطمار الشرف والكرامة؛ بما لا يخطر على بال الغجر والزط والنَوَر.
من العرب العاربة إلى الأعراب العارية
وهكذا استحال الأعراب عراة؛ دون ستر أو حياء، وكأني بدولهم ودويلاتهم أضحت أشبه بأندية العراة، يمارسون فيها التعري (الاستربتيز) حاسرين عن أذنابهم وسوءاتهم، لقد دخلوا عصر اللا عيب واللا أخلاق؛ واللا مثل واللا قيم.
أظن أن دخول البيوت من دون إذن أهلها هو من أدبياتهم المحمودة لا شك؛ هذه هي العرب العارية، ولا ريب أن بقية منظومة القيم والأخلاق قد مزقت، وأنها أصبحت (كادوك) لا أثر لها.
إن دهاقنة هؤلاء الأعراب يحسدهم على ذلك أفلاطون، وأرسطو، وسقراط، والفارابي، وابن خلدون، وكل فلاسفة التاريخ.
وقد بلغت بهم الوقاحة والانحطاط وقلة الأدب (أدب سيس) أن يدسوا أنوفهم فيما لا يعنيهم، وأن يفرضوا سماجتهم ورذالاتهم على َمَن بقي على شيء من أخلاقه وقيمه ومروءته، وكأن الرذيلة هي الأصل والأَولى أن تتبع.
إنهم لا يستحقون، ساقطون، أنذال، يريدون أن ننسى الله، وأن ننسى القرآن.
يريدون ألا نردد الآية الكريمة: "لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ...".
لا بل تمادوا في غيهم وغطرستهم، وراحوا كـ"المهابيل" و"المساطيل" يعبرون عن أفراحهم باحتضان أقرانهم من صهاينة الزمان؛ مغتصبي أقدس أقداس العروبة والإسلام، ويروجون لهم ولأباطيلهم في نسيان القدس وأكناف القدس (... الذي باركنا حوله ... ).
ماذا أقول بعد؟
إلى هؤلاء وأولئك أصبح لكم سفراء وبعثات دبلوماسية، عند بني صهيون، مغتصبي عرين العروبة فلسطين المباركة، وأنتم تعلمون علم اليقين أنها وطن الفلسطينيين العروبيين، مسلمين ومسيحيين، بأقصاها وقيامتها، منذ خلق الله الخلق.
باختصار أقول: إنكم أوغلتم في الوقاحة شططًا، وأرسلتم لبني صهيون سفراء ورسلًا يُقبلون رؤوس ولحى حاخاماتهم، عسى يرتضونهم أحبة وأهلًا.
لا، إن السفراء عادة يتحلون باللباقة والكياسة، لا الهبل و"التياسة"، كما سفرائكم، يا ...!
واعلموا -يا سفراء الأنذال- أنكم دخلتم إلى حمى أبناء فلسطين، دون إذن ولا إحم ولا دستور، لأنكم أوباش وأوغاد، وأن قبائلكم وعشائركم تتبرأ منكم ومن هبلكم وسماجتهم، وأنتم الأرذال والسفهاء؛ أنتم ومن أرسلكم.
ختامًا؛ أيها السفراء السفهاء، ثكلتكم أمهاتكم؛ إن أخلاق قبائلكم تتبرأ منكم، واعلموا أنكم اختلستم دخولكم إلى أرض القداسة فلسطين اختلاسًا، سوف نحاسبكم عليه حسابًا عسيرًا، إن لم تحاسبكم عشائركم وأشرافكم.