نعم، العالم وكأنه جسد واهن لا إحساس فيه، فاقد للسمع والبصر والضمير، منذ نحو ثلاثة أرباع القرن من الزمان، في كل أصقاع الأرض، حتى الأرض موات.
فلسطين إحدى مخرجات مؤامرة (سايكس – بيكو 1916) التي مزقت الشرق العربي شر مُمَزق، لامتهانه وسلب ثرواته؛ كانت وما زالت محط أنظار المؤامرة، من قبل دهاقنة الشر الإمبريالي العالمي كله؛ لأنها منتج صغير الحجم والمساحة والسكان، بسبب التفتيت والمؤامرة.
لكن "مارك سايكس" و"جورج بيكو" نسيا أو تناسيا أن القلة الديمغرافية غالبًا ما تكون حاضنة خصبة للعبقرية في مختلف مناحي الحياة، وهذا قانون الطبيعة، أوجده الباري، كي تحافظ القلة على وجودها حية بكل استحقاقات الحياة.
إن بذرة النماء الحية لدى شعبنا العظيم –على قلته– حتمت على الإمبراطورية البريطانية، وهي في قمة الهرم الإمبريالي، أن توجد على هذه البقعة الجغرافية الصغيرة، القليلة السكان، أكثر من مائة ألف من الجند والعسكر، في حين أكبر مستعمراتها، وهي شبه القارة الهندية، بما تضم: الهند، وباكستان وبنغلادش، ونيبال، ويوتان، وسيريلانكا؛ لم تضع فيها بريطانيا مثل هذا العدد من الجند والعسكر.
لا أريد من هذا أن أضيف مزيدًا من الترويج لإثبات عبقرية الشعب الفلسطيني؛ أحد أجزاء مؤامرة "سايكس بيكو" (سورية الداخلية، ولبنان، وفلسطين، والعراق، وسنجق إسكندرونة، وتخوم خط "ديار بكر – أضنة")، و"كادو" من مواطن عبقريات وحضارات التاريخ الأولى الخالدة.
ومع كل هذا، وتعاملًا مع الواقع الذي أنتجته المؤامرة التفتيتية المقيتة، وإقامة الكيان الصهيوني (إسرائيل)؛ يبقى الشعب الفلسطيني "أول شعوب الأرض، وآخر شعوب الأرض"، كما يقول الشاعر الخالد "نزار قباني" لدى إطلاق شاعريته وأحاسيسه نحو إطلاق انتفاضة الحجارة، لأطفال غزة عام 1987.
وهكذا اعتمد الشعب الفلسطيني عبقريته الخلاقة في مواجهة أعتى قوى الشر والظلام الإمبريالي الصهيوني، رغم إمكاناته الضئيلة في العدد والعدة، يوم لم يكن على أرض فلسطين أكثر من مليون ونصف نسمة، عزلًا من السلاح تقريبًا، وفي عالم يَلُفُّهُ ظلامٌ حالك، لا يعلم مَن في بقعة منه عما في بقعة أخرى، إلا بعد فوات الأوان.
ويمضي بنا الزمان، نعم يمضي؛ ولكنه يمضي لمصلحتنا، نعم؛ إننا اليوم 14 مليونًا؛ منها على الأرض الفلسطينية نحو النصف تقريبًا، والنصف الباقي في التخوم الجغرافية من خريطة "سايكس- بيكو"، والشتات العالمي؛ يُسَبِّحون الله بكرة وأصيلًا باسم فلسطين، حتى يسمع من به صمم.
العبقرية الفلسطينية قد ربحت الرهان، وأدركت بمباركة وتأييد قوى الخير أن القوة كفيلة بتحرير فلسطين وتطهيرها كاملة، من البحر إلى النهر لترتبط مع شقيقاتها من منتجات سايكس بيكو، الشر والمكيدة.
وما عملية "جلبوع" إلا أحد تجليات العبقرية الفلسطينية العروبية، وقد شكلت إضافة نوعية إلى ملحمة "سيف القدس"، وتوطئة لعبقريات فلسطينية أكبر وأعظم من شعب عرف "طريقه".
أجل؛ عرف الشعبُ طريقه وآمن بعبقريته، رغم التخاذل والتآمر والخيانة من هنا وهناك في خرائب وزواريب النذالة والخزي والعار، ذيول سايكس – بيكو، وصنادل وأحذية الصهيو –أمريكية، على خريطة القارة العربية الهزيلة.
ويقينًا، لا بد لليل من آخر، وإن "لسيف القدس" امتداد تلو امتداد، وبهمة عباقرة جلبوع سوف تكون معركة التحرير الكبرى، مأثرة معارك وملاحم القرن، لا لتحرير فلسطين وحسب، بل لتحرير العالم بأسره من آفات الصهيونية البغيضة، وتحطيم أصنامها في أوروبا وأمريكا، ومواخير وزواريب النَّوَر والعربان.
ولن ننتظر طويلًا ما دام نسور وأسود جلبوع على أرضنا وفي أجوائنا.
وأخيرًا؛ أيها العالم أَفِقْ من سباتك.
الشعب الفلسطيني للحياة.
أفيقوا أيها الأموات.