قبل الحديث عن التهدئة مع الإسرائيليين لا بد من الحديث عن إعمار غزة وفك الحصار عن أهلها، ووقف العدوان على القدس، فلا تهدئة دون فك الحصار والإعمار، ووقف العدوان، وهذا ما بات يجمع عليه العالم، حتى المبعوث الدولي في المنطقة.
إن الحديث عن فك الحصار والإعمار يقود الشعب الفلسطيني والجهات الممولة إلى الحديث عن الجهة التي ستشرف على هذه المهمة الإنسانية والوطنية، فهناك عدم توافق فلسطيني، وهناك شرط إسرائيلي متعمد، يتمثل في وضع السلطة في واجهة إعادة الإعمار، لتحرر (إسرائيل) نفسها من الضغط الدولي، وتلقي بالمهمة على عاتق السلطة.
إن التوصل لاتفاق بشأن الجهة التي ستشرف على الإعمار تستوجب حوارًا فلسطينيًّا داخليًّا يقود إلى اتفاق بشأن الجهة التي ستشرف على الإعمار، وللوصول إلى هذا الاتفاق الداخلي لا بد من لقاء يجمع الأمناء العامين في القاهرة، والهدف هو الاتفاق على حكومة وحدة وطنية، وبرنامج سياسي متفق عليه، وكل ذلك بعد إصلاح منظمة التحرير، لتمثل كل الشعب الفلسطيني وتنظيماته السياسية وقواه العسكرية.
من هنا جاءت دعوة مصر العربية لثمانية عشر تنظيمًا فلسطينيًّا للالتقاء في القاهرة، والتشاور والتحاور للتوافق على ما سبق من اختلافات، ثم الخروج على قلب مقاومة واحدة في وجه الاحتلال الإسرائيلي.
كل ما سبق كلام جميل، ولكن، هل ستنجح مصر العربية في مساعيها التوفيقة التي ستؤدي إلى قيادة موحدة، تشرف على الإعمار، وتضمن التهدئة؟ وهل هناك فرصة للانتصار على المكاسب الشخصية والتنظيمية، بعد هذا الانتصار الفلسطيني على العدو الإسرائيلي؟
سننتظر الأيام القريبة لتعطينا الجواب، وحتى تلك اللحظة التاريخية لا بد من التذكير بأعمدة الاحتلال الإسرائيلي الأربعة، التي تركت الشعب الفلسطيني يلف ويدور حول نفسه:
وأول أعمدة العدو الإسرائيلي هي تلك الاتفاقيات الموقعة مع الاحتلال، التي ربطت كل جهد فلسطيني بذيل تلك الاتفاقيات، فأعاقت الحركة، وقننت الفعل دون قطف الثمر.
وثاني أعمدة الاحتلال هو إصرار قيادة السلطة الفلسطينية على أن تكون تلك الاتفاقيات الرديئة هي المرجعية السياسية العليا لكل تحرك فلسطيني، أو أي محاولة للبحث عن آفاق جديدة للانطلاق السياسي بلا قيود.
وثالث تلك الأعمدة هو التزام السلطة المطلق ببنود تلك الاتفاقيات، رغم تحلل الإسرائيليين من معظمها، فما زالت السلطة تلتزم بالتنسيق والتعاون الأمني الذي صار مقدسًا، لا يجوز تدنيس محرابه، وهذا ما كسر ظهر الشعب الباحث عن حقوقه، والرافض عنجهية أعدائه.
ورابع أعمدة الاحتلال الإسرائيلي هو حرص السلطة الفلسطينية على عدم تغيير قواعد اللعبة السياسية مع العدو الإسرائيلي، وعدم سماحها لإرادة الشعب بالتعبير عن ذاتها، وذلك باشتراطها على كل فلسطيني يفكر في العمل السياسي أن يعترف مسبقًا بشروط الرباعية، ومن ذلك الاعتراف بـ(إسرائيل)، والاعتراف بكل الاتفاقيات الموقعة مع (إسرائيل)، ونبذ العنف، أي محاربة المقاومة، والقضاء عليها، وتصفيتها، شرطًا مسبقًا لأي حوار فلسطيني داخلي، وأي لقاء وطني على مفارق الطرق السياسية.
أعمدة الاحتلال الإسرائيلي الأربعة حصن الاحتلال المنيع، وهي التي تجعل اللقاءات الفلسطينية في القاهرة صعبة، ومستحيلة النجاح، وتجعل تنظيمات المقاومة الفلسطينية تدور حول نفسها، ولا تتجاوز بفعلها الميداني قرارات قيادة السلطة التي تحشر كل فعل في مربع الاحتلال، وتحتكم لرضاه وغضبه، وفي تقديري هذا هو صلب العجز الفلسطيني، وهذا هو منطلق الفعل الواجب لأي تحرك سياسي أو عسكري في المرحلة القادمة، ومن ذلك لقاء القاهرة القادم، فما دام العمل الفلسطيني محشورًا في المربع الذي يحفظ أمن المحتلين، ويدافع عن عدوانهم، ويوفر لهم الفرص السياسية لمواجهة رجال المقاومة؛ ستظل قضية فلسطين كلها تدور حول نفسها، مع تكرار المآسي التي أوصلت الفلسطينيين إلى هذه الحالة من الجهد الوطني المبعثر، والتخريب الإسرائيلي المتعمد، والمدروس والمنظم.