هناك شبه إجماع من جانب السياسيين والمحللين وقادة الدول أن تثبيت وقف إطلاق النار بين الاحتلال الإسرائيلي وقطاع غزة المحاصر والمقاومة الفلسطينية عمومًا لا يمكن أن يكون أو أن يصمد، دون معالجة جذرية للأسباب التي تؤدي إلى اشتعال المنطقة بين الفينة والأخرى، وبناء عليه لا يعقل اختصار مباحثات وقف إطلاق النار في إعادة الإعمار وصفقة الأسرى.
الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية وما يتفرع عنه من جرائم هو الذي يبقي المنطقة في حالة توتر تصل أحيانًا إلى درجة الغليان والانفجار، ومن ذلك ممارساته الإجرامية لتهويد القدس والمقدسات عامة، والحصار القاتل لقطاع غزة، وكذلك ترك الملايين مشردين في مخيمات اللجوء في الخارج، إضافة إلى الاستيطان وقتل الفلسطينيين وتهجيرهم ومصادرة أراضيهم وهدم بيوتهم وغير ذلك من جرائم تهدف إلى إخراج الفلسطينيين خارج حدود فلسطين.
نحن لا نقول إن تثبيت وقف إطلاق النار يلزمه طرد المحتل وعودة اللاجئين، بل يلزمه تخفيض حدة التوتر حتى يكون هناك بيئة صالحة للتفاوض من أجل الوصول إلى حل سياسي مرحلي طويل الأمد، ولا يكون ذلك إلا برفع الحصار عن قطاع غزة ورفع يد المحتل عن القدس والمقدسيين والمقدسات، والتوقف عن استهداف أرواح وممتلكات وأمن الفلسطينيين على أرض فلسطين من البحر إلى النهر، إن تحقق هذا الشرط فهو ضمانة مؤقتة لتثبيت وقف إطلاق النار، ولكن من يظن أن وقف اطلاق النار سيصمد مع استمرار الاعتداء على المقدسات والمواطنين ومدن وقرى الضفة الغربية فهو مخطئ، ومن يظن أن وقف إطلاق النار سيصمد وشعبنا في غزة تزداد معاناته فهو مخطئ أيضًا.
ما ذكرته آنفًا يستدعي أن تكون مباحثات تثبيت وقف إطلاق النار متضمنة العديد من القضايا، وعلى رأس ذلك القدس وغزة، ولا بد أن تكون مباحثات جادة ومنتجة وقصيرة الأمد تفاديًا لفشل وقف إطلاق النار واندلاع الحرب من جديد، ونحن نلاحظ أن العدو الإسرائيلي يريد أن يثبت لشعبه أنه انتصر في المعركة بانتهاكاته في القدس والضفة الغربية، ويتمثل ذلك في استمرار الاستفزازات من جانب المستوطنين وإعلان الاحتلال نيته بناء المزيد من المستوطنات، وغير ذلك من الاستعراضات الإعلامية.
ونحن نقول هناك جرائم تصنف من الدرجة الأولى لن تسكت المقاومة عنها وستؤدي بالضرورة إلى تجدد إطلاق النار، حسب ما فهمناه من الناطقين باسم المقاومة، وهناك انتهاكات تترك معالجتها للمواطنين الفلسطينيين في القدس والضفة الغربية مع تكفل المقاومة بحماية ظهرهم، ما يمنع الاحتلال من التغول عليهم وارتكاب جرائم تستدعي تدخل المقاومة، وأخيرًا نؤكد أن المباحثات ستمضي كما تريد غزة لأنها خرجت منتصرة في هذه المعركة، ولا يتصور أن تقبل المقاومة في غزة خوض مباحثات تكون نتيجتها تثبيت حصار قطاع غزة.