فلسطين أون لاين

قبل أن يلبسوها

نادر الغزالي.. خيَّاط حاك لأطفاله ملابس العيد واستشهد

...
غزة/ مريم الشوبكي:

الأم: وين رايح يما؟

نادر: بدي أروح أفتح المحل أسلم الملابس لناس.

الأم: يما ما تطلع العدوان شغال.

نادر: يما حرام الأولاد الصغار بدهم يعيدوا.

خرج نادر مسرعًا من شقة والدته بعد ليلة مضنية عاشها بعدما غادر شقته في حي تل الهوى بغزة، إذ قصف الاحتلال الإسرائيلي أكثر من شقة في البرج الذي يسكن فيه وأصيب منزله بأضرار كبيرة، قاصدًا محل الخياطة الذي يعتاش منه في شارع المغربي بالمدينة.

كان نادر الغزالي يشعر أن الوقت يداهمه، فلا يفصله إلا يوم واحد عن عيد الفطر السعيد، ومطلوب منه أن يسلم الملابس لأصحابها لكي يحتفلوا بالعيد، تحديًا لحمم الصواريخ التي كانت تنهال على قطاع غزة دون توقف.

صبيحة اليوم السابق للعيد، جلس نادر خلف ماكينة الخياطة يحيك الملابس، وإذا بابن عمه عبد السلام يزوره ليطمئن عليه وهو يقف على باب المحل.

فجأة صوت هز أرجاء المكان، وتعالت أعمدة الدخان نتيجة قصف الاحتلال الإسرائيلي سيارة مدنية أمام محل نادر مباشرة، استشهد ابن عمه نتيجة الانفجار على الفور، أما نادر فأحس بأن دمًا يتدفق من جسده.

تمالك نادر نفسه وذهب إلى جاره الحلاق، يخبره بأنه لربما مصاب فآثار الدم على يده، فسنده جاره إلى كتفيه وقطعا الشارع معًا يبحثان عن سيارة تقلهما إلى المستشفى، ولكن صاروخ الاحتلال كان أسرع، إذ باغتهما ليستشهد نادر على الفور ويمزق جسده، وتقطع قدم جاره ويصاب إصابة بليغة.

الشهيد نادر (47 عامًا)، هو الابن الأكبر لوالدته، ليصبح الشهيد الثالث لوالديه بعد هاني ومحمد، ترك وراءه زوجة ثكلى وأربع بنات وولدين.

تغربت زوجته وتركت عائلتها في الأردن، لتتزوج من نادر وتعيش في غزة، تضاعفت غربتها بعد وفاة زوجها الذي كان الأب والأخ والسند في ظل غياب عائلتها، وتعيش في حالة صدمة لأن استشهاد زوجها كان حدثًا مفاجئًا غير متوقع.

رحل شهيد لقمة العيش، وآخر وصاياه لأبنائه بالاعتناء بجدتهم وخدمتها، وهي التي ألحت عليه بعدم الخروج وبقضاء آخر يوم في رمضان معها.

لن يأتي نادر بعد اليوم حاملًا صحن الحمص، وأرغفة الخبز الساخنة، يدق باب والدته صباح كل يوم كعادته: "جاي أفطر معك يا حجة"، ثم يسألها عن طلباتها اليومية ليلبيها قبل أن يقصد محله للعمل.

قبل أن يستشهد نادر بأيام، ذهب إلى قبر أخويه، قرأ على روحهما الفاتحة، يسألهما عن حالهما، وكم هو مشتاق لهما ويطلب منهما أن يأخذاه إلى جوارهما، وكان له ما أراد.

كان نادر حنونًا عطوفًا على والدته وإخوته أيضًا، وعلى جميع من قابلهم في حياته، كان يحب تقديم المساعدة للناس الذين بكوا حزنًا على فراقه.

استشهد نادر ولم يرتدِ الأطفال ملابس العيد الجديدة، فلم يستطِع أن يوفي بوعده لهم بأن ينتهي من حياكتها قبيل العيد، كان العيد حزينًا عليهم كما عائلته، فلم يعد للعيد طعم دونه، فلن يتوقفوا عن رواية هذه الذكريات المؤلمة لأصدقائهم حينما يكبرون كيف أن عيدهم كان بلا أب.. وبلا ملابس جديدة بعد أن مزقتها صواريخ الاحتلال ونشرت رائحة الدمار والدم في كل مكان.