بدأ الاحتلال يكشف بعضًا من تفاصيل العدوان الأخير على غزة، ولا سيما "الخديعة" الإسرائيلية التي كشفتها حماس في اليوم الرابع من الحرب، حين أعلن جيش الاحتلال عملية تدمير الأنفاق، وفق ظنه أن المئات من مقاتلي الحركة داخلها، وكان من المفترض أن تُنفَّذ العملية بمساعدة تمرين "احتيالي"، من حيث إرسال أدلة ميدانية كما لو كان جيش الاحتلال على وشك القيام بغزو بري لقطاع غزة، ما قد يتسبب في نزول حماس إلى الأنفاق، وحينها يُقضى على المقاتلين.
لكن العملية فشلت، وهذه خلاصة تحقيق أجراه جيش الاحتلال، الذي قامت فرضيته على أنه عندما أدركت حماس أن غزوًا بريًّا على وشك الحدوث، فإن مقاتليها سينزلون إلى الأنفاق، لكن شيئين لم ينجحا في هذا السياق، أولهما لم يكُن الاحتلال الإسرائيلي فعالًا بما فيه الكفاية، ولم يقُم جيش الاحتلال بتفعيل عبوره للحدود إلى غزة، وثانيهما أن سبب فشل العملية يتمثل في كشف حماس للسلاح السري لجيش الاحتلال الإسرائيلي، لأن الأداة التي خطط لاستخدامها للقضاء على المقاتلين في الأنفاق عبارة عن قنابل خاصة تخترق الأرض لتدمير الأنفاق.
في الوقت ذاته، فإن أوساطًا عسكرية قريبة من جيش الاحتلال الإسرائيلي تؤكد أنه بعد مرور عشرة أيام على وقف العدوان، فإنهم لا يعرفون ما إذا كان قد تم تحقيق ردع استراتيجي ضد حماس، لأن الفشل الأساسي لجيش الاحتلال تمثل في عدم القدرة على منع إطلاق الصواريخ من غزة باتجاه (إسرائيل)، ولذلك فإن التحقيق في حيثيات حرب غزة ما زال في مراحله الأولى، وتم بالفعل تقديم النتائج الأولية منه إلى رئيس الأركان.
الأكيد أن الحرب انتهت في غزة دون حصول (إسرائيل) على صورة انتصار، وانتهت حتى قبل أن يفهم الإسرائيليون ما أهدافها، وما إذا تم تحقيقها، لأنه طوال الوقت واجهت (إسرائيل) صعوبة في تقديم روايتها للعالم، رغم محاولاتها إقناع المجتمع الدولي، لكنها لم تعطِ مواطنيها إجابات بعد 11 يومًا من القتال في الجنوب وقطاع غزة، والنتيجة الإجمالية أن صورة النصر تعني صفرًا، ليس أكثر.
لا تزال قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي في حالة من الجاهزية والاستعداد خشية احتمال انتهاك لوقف إطلاق النار، بعد أن تعرضت (إسرائيل) إلى عدد قياسي للصواريخ، أكثر من حرب لبنان الثانية، وفقط أقل بألف قذيفة عن العصف المأكول، واليوم ما زال السؤال ماثلًا عما أرادت (إسرائيل) تحقيقه من هذه الحرب، ولماذا تبدو صورة النصر مهمة جدًّا.
على الصعيد الدعائي، يقول الواقع إن الجهود الإسرائيلية لم تكُن موحدة، وبدا عملها غير منظم مقارنة بالفلسطينيين، وهذا اعتراف إسرائيلي لافت، وليس هناك من عمل بجد ومتابعة على تصدير الرواية الإسرائيلية، أما الفلسطينيون، فقد اجتاحوا الفضاء الأزرق بعبارة "غزة تحت القصف".